وقف كل العالم الإسلامي فاغراً فاه لمدة أيام في انتظار خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، كله بلا استثناء، بمن فيهم من لا يحبون أميركا أو حتى يكرهونها وما كان في نيتهم أصلاً أن يراجعوا مواقفهم، أو أن يغيروا مشاعرهم تجاهها لأي سبب كان، ولو رئيساً جديداً بأسلوب جديد وبخطاب جديد، رئيساً كان أهله من المسلمين!

Ad

وعلق في المقابل، عشاق أميركا ومحبوها، آمالاً كبيرة على هذا الخطاب، بعضها كان حالماً كأحلام الأطفال الصغار، وخيالياً كخيالات عوالم ألعاب «البلاي ستيشن»!

أما المتوازنون تجاه الخطاب، فكانوا قلة، تماما كقلة المواقف المتوازنة تجاه أي شيء في عالمنا الإسلامي، فالمسلمون اليوم، قوم عاطفيون متطرفون في مشاعرهم، إن أحبوك هاموا بك حباً وصفقوا لك في يقظتهم ونومهم، وإن كرهوك أبغضوك وخاصموك!

وأنا أسبح في تجليات خطاب أوباما توقفت عند أمر، وأريد الساعة أن أشرككم به وهو أن هذا العالم الإسلامي، وكلنا نحن المسلمين يعرف ذلك، لا يجمعه اليوم من رابط إلا فكرة «الدين»، وحتى هذه الفكرة في حقيقتها فكرة ملتبسة مهزوزة تحتاج إلى نظر والمزيد من النظر وبعدها وقبل القطع بشيء إلى إعادة نظر!

العالم الإسلامي لا تجمعه اليوم أي روابط حقيقية، لا سياسية ولا اقتصادية ولعلّي أقول لا اجتماعية حقيقية أيضاً، وكل الطموحات التوحيدية التقريبية التجميعية التي ثارت، ولاتزال تثور، في خيالات البعض منذ عشرات السنوات لطالما انتهت، في أحسن حالاتها، إلى تكوين مؤتمرات أو مجالس شكلية إنشائية بلا قيمة فعلية، ولم تعد بفائدة على أحد من ملايين المسلمين في كل مكان، وما زادتهم إلا كمداً وغيظاً وقرضاً لأظافرهم حسرة، وهم يشاهدون قادتهم وكبراءهم وعلماءهم يجتمعون وينفضون دون نتيجة تذكر على شاشات التلفزة وعبر الفضائيات!

الرابط الوحيد، والذي هو رابط الدين، هو في ظني رابط «متخيل»! وقبل أن تثور ثائرة أحد تجاه هذه الفكرة، سأقول بأنه يكفي لمعرفة مدى إغراقها في الخيال أن نسأل عن رأي السُنّة اليوم في دين الشيعة؟ وعن رأي الشيعة في دين السُنّة في المقابل؟ وكم عدد جسور التقارب التي بنيت بين المسلمين في مقابل المتاريس والحواجز التي أقيمت؟! وما رأي طوائف المسلمين الأخرى المختلفة في بعضها بعضاً؟ وهل إسلام المملكة كإسلام مصر أو كإسلام إندونيسيا أو كإسلام أذربيجان؟ وهل يصوم المسلمون سوياً ويفطرون سوياً؟ وهل وهل وهل؟!

عذرا للإزعاج، ولكنني مجرد مواطن عربي مسلم يتساءل، هل العالم الإسلامي عالم واحد حقا، أم أنه في الحقيقة اليوم عوالم شتى؟ والأهم من ذلك، هل من الأفضل لنا أن نبقى مصرين على اجترار فكرة العالم الإسلامي الواحد، «وتخزينها» كما يفعل اليمنيون بأوراق القات؟ أم أن نفكر بدلاً من ذلك أن نكون دولاً لها تمايزها واختلافها ولكن بينها روابط عصرية حقيقية كتلك التي بين دول أوروبا مثلا؟! تساؤلات كثيرة، ولا أدري أين سنجد الإجابات، إن كان هناك أحد قادر على الإجابة «الصريحة» أصلاً!