كل الذين استغربوا قبل سنوات عدة من وقوع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في غرام المتدربة في البيت الأبيض "مونيكا لوينسكي"، وهو الرجل الذكي الذي استطاع أن يحكم أعظم دولة في العالم، لا يعلمون أن الكبار حين يعشقون يتحولون إلى مراهقين مندفعين بلا عقل، وأن مستوى ذكائهم ينخفض إلى حده الأدنى كلما تسارعت ضربات قلوبهم الملهوفة المشتاقة، حدث ذلك كثيراً، مع كبار الأدباء والمفكرين والسياسيين والفلاسفة، بل حتى الزهاد والعباد من أولياء الله الصالحين!

Ad

والشاعر الذي أنشد القصيدة المشهورة:

قل للمليحة بالخمار الأسود.....  ماذا فعلت بناســــــك متعبد

قد كان شمر للصــــلاة ثيابه...  حين قعدت له بباب المسجد

ردي علــــــــيه ثيابه وصلاته..  لا تقتليه بحق دين مـحـــمد

لم يبالغ أبداً في وصف حال من أصيب بسهم "كيوبيد"، الذي يجعل "فيوزات" "أجدعها مخ" يضرب بسهولة ويسر! وهناك كتاب قديم اسمه "مصارع العشاق" يقدم لك ألف حالة كهذه، بعضها حقيقي، وبعضها "تشليخ" واضح من مؤلف الكتاب!

وما حدث لكلينتون مع مونيكا، حدث من قبل مع العالم النفسي الشهير فرويد، ومع ريلكه أفضل الشعراء الألمان، ومع الفيلسوف الكبير "نيتشه" الذين وقعوا جميعاً في غرام امرأة واحدة هي الجميلة اليهودية "لو سالومي" ومع هذا لم تتزوج أياً منهم واختارت رجلاً آخر، ومع عظمتهم وعبقريتهم والشهرة والمكانة التي حصلوا عليها، فقد كانوا خائبين في الحب إلى أقصى حد، وهناك صورة مشهورة تعود إلى سنة 1882، تظهر فيها "لو سالومي" فوق عربة وبيدها سوط، تضرب به مفكرين بارزين في أواخر القرن التاسع عشر وهما نيتشه وبول ري!

وما أصاب فرويد وريلكه ونيتشه أصاب كل أدباء ومفكري مصر تقريباً في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي حين أولعوا جميعهم بالأديبة فلسطينية الجميلة "مي زيادة" وطلبوا ودها، وقائمة العشاق لهذه الأديبة التي انتهت حياتها في مستشفى الطب النفسي لأسباب مجهولة طويلة تضم: خليل مطران، ومصطفى الرافعي، وطه حسين، وحافظ إبراهيم، وعباس محمود العقاد، وإسماعيل صبري، وأحمد شوقي وغيرهم، ومع ذلك، ورغم عظمتهم وعبقريتهم، لم تلتفت إلى أحد منهم، ولم يدركوا أن حبها الحقيقي كان لجبران خليل جبران، ذلك الذي يقطن في الولايات المتحدة على بعد آلاف الأميال منها... ومنهم!

ولا شك أن هذه العقول الفذة الكبيرة قد فقدت مؤقتاً قدرتها على التحليل المنطقي لتعيش حالة من الوهم الجميل والرائع، فمن غير المعقول أن يسقط كل هؤلاء في اختبار "تحبني... ما تحبنيش" وهم في حالتهم الطبيعية، وفي كامل قدراتهم العقلية الجبارة!

والدراسة الحديثة التي أجريت في هولندا والتي انتهت إلى أن النساء الجميلات يجعلن الرجال أغبياء لفترة من الوقت، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هؤلاء العظماء كان وضعهم غير طبيعي بالمرة! فقد قام علماء من جامعة "رادبوت" في هولندا بمراقبة مقدرة الأداء الذهني للطلبة وقت اجتماعهم مع زميلات يتمتعن بقدر كبير من الجاذبية، ولاحظوا أن الرجل ليس لديه القدرة على التفكير بشكل واضح بعد وقت قصير من مقابلته لامرأة جميلة، والغريب أنهم اكتشفوا أن ذلك لا يحدث مع النساء حين يقابلن رجالا يتمتعون بالجاذبية!

وقد علق رئيس فريق البحث جون كاريمانز على نتائج الدراسة قائلا: إنها تفسر تأخر نتائج الرجال في المراحل التعليمية العليا مقارنة بزميلاتهم! وقد أجريت الدراسة على 50 طالباً و60 طالبة بالجامعة، حيث تركوا في البداية يتجاذبون أطراف الحديث ثم أخضعوا بعد ذلك للإجابة عن امتحان، وكانت النتيجة أن الرجال الذين شملتهم الدراسة انشغلوا إلى حد كبير بزميلاتهم الجذّابات مما جعلهم يستنفدون طاقاتهم الذهنية على الأرجح في لفت أنظارهن، وعلى العكس من ذلك، لم يؤثر حضور الرجال الذين يتمتعون بالوسامة على القدرة التفكيرية لدى السيدات!

هذه الدراسة الهولندية العجيبة تبين بشكل جلي أن عمنا الفيلسوف ديكارت كان على حق تماماً حين قال: أنا أحب... إذن أنا غبي!