بداية نبارك لأعزائنا الطلبة من خريجي النظام الثانوي وما يعادله ثمرة النجاح، وحصيلة السنوات المتواصلة من المثابرة والعناء ومتابعة أولياء الأمور وإشراف الإدارات المدرسية، ونخص بالتبريك أولئك الفائقين الذين شرّفوا سجل النجاح، وتحدوا باقتدار صعوبة الامتحانات، وآثروا السهر مع الكتب بدلاً من ألعاب الكمبيوتر.

Ad

وبمناسبة انتهاء العام الدراسي ودخول نخبة جديدة من نساء ورجال المستقبل إلى رحاب العالم الجامعي أو المعاهد المهنية أو حتى سوق العمل مبكراً يفترض أن تخضع نتائج الثانوية العامة ومؤشراتها لجملة من التحليلات العلمية والتربوية بغية الاستفادة منها وتطوير المسيرة التعليمية على ضوئها، سواء ما يتعلق بنسب النجاح التي وصلت هذا العام إلى معدلات قياسية فاقت الـ %90 في القسمين العلمي والأدبي، أو فيما يخص عدد الطلبة الفائقين بحسب الجنس بين الذكور والإناث، أو بحسب المحافظات، أو بحسب النظام التعليمي بين مدارس الحكومة والمدارس الخاصة، أو ما يتعلق بتوجهات وميول الطلبة الخريجين في الدراسة الجامعية، وهل تنسجم مع متطلبات سوق العمل واحتياجات خطط التنمية، على أمل إعادة خارطة الطريق لرسم مستقبل شبابنا منذ نعومة أظفارهم في حال كان مثل هذا الأمر متطلباً، وهو المرجح وفق أبسط المعطيات الحالية.

ومن جانب آخر يفترض أن تقوم الجهات المعنية وعلى مستوى مجلس الوزراء بإنشاء جهاز يتابع النخبة الفائقة من خريجي الثانوية سنوياً، ولنقل من حصل على معدل امتياز أو 90% من مجموع الدرجات، على أن تكون مهمة هذا الجهاز وضع هؤلاء الطلبة تحت المجهر لمواكبة خطواتهم المستقبلية سواء في نوعية الجامعات التي يلتحقون بها، حيث إن طموحاتهم في الأغلب تقودهم إلى الانتساب للجامعات العالمية المرموقة، أو نوعية التخصصات العلمية التي يختارونها وتذليل العراقيل التي قد تواجههم في هذا الطريق الصعب.

فهناك أعداد مهمة من هؤلاء الطلبة قد تتهدد حياتهم المستقبلية أو مصير تحصيلهم العلمي لأسباب تافهة، وقرارات أكثر تفاهة من قبل بعض المسؤولين من قبيل حاجة الطالب إلى مدة أطول من فترة الدراسة، نظرا لطبيعة الدراسة في الجامعة المرموقة التي يلتحق بها، أو لرغبته في تغيير تخصصه العلمي، أو للتعثر الدراسي بسبب صعوبة المنهج في كليته المتخصصة، ولا نقصد هنا خرقا للوائح أو القوانين للبعض دون البعض الآخر إنما وضع نظم دراسية خاصة لبعض التخصصات الدقيقة والجامعات العالمية النادرة ضماناً لمخرجات وطنية مهمة ومتميزة.

فلا يعقل وفق أبسط قواعد العدالة والإنصاف والمنطق أن تشطب حياة إنسان في غاية الذكاء، ويحرم من استكمال دراسة الطب مثلاً لأنه ارتكب ذنباً والتحق بجامعة عريقة في كندا أو الولايات المتحدة أو بريطانيا، في حين يسمح لزميل له التحق بإحدى الدول التي تحوم حولها كل أنواع الشبهات الأكاديمية بأن يتخرج دون عناء ويصبح رمزا في المجتمع.

ومن ناحية أخرى فإن المعاناة الكبرى لهؤلاء الفائقين تكمن في حالة تخرجهم، وبأعلى الدرجات، ومن أقوى المعاهد والجامعات، عندما يعودون إلى بلدهم، فإذا بالطيور قد طارت بأرزاقها، ويكون التعيين في المكان المناسب لمكانتهم العلمية وتميزهم الأكاديمي وفقاً لنظام المحسوبية والواسطة، ولا نحتاج لسرد الأمثلة على ذلك لأنها تعكس واقعنا اليومي.

ولهذا فإن مثل هذا الجهاز الخاص بمتابعة هذه النخبة ضروري لبيان هل بالفعل الاستثمار البشري يشكل أولوية في مجتمعنا؟ وهل يترجم طموحات وشعارات الحكومة خصوصاً في مجال التنمية؟ وهل تستمر بتحفيز شبابنا للتفوق ثم الالتحاق بالمراكز العلمية المتفوقة أملاً في الفوز بمناصب متفوقة بيدها صنع القرار؟ أم نحوّل التفوق العلمي فقط إلى مجرد صور في الصحف سرعان ما يطويها سجل الإهمال والنسيان؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة