كان على وزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا في القاهرة على نحو طارئ ردّاً على ما قامت به إسرائيل ضد "أسطول الحرية"، أن يسألوا أنفسهم عن الوظيفة السياسية التي أرادها بنيامين نتنياهو من مهاجمة السفينة التركية "مرمرة " بكل هذه الوحشية، وقتل عدد من ركابها معظمهم من الأتراك، فالمسألة ليست مصادفة، وتصرُّف الجنود الإسرائيليين لم يكن عفوياً، ولا من قبيل الدفاع عن النفس كما ادَّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريحاته التي أطلقها بعد هذه الجريمة بساعات.

Ad

لقد بات واضحاً، إلا لمن لا يريد أن يرى، أن قرار الهجوم على السفينة التركية قد اتُّخِذَ مسبقاً وعلى أعلى المستويات، وأن الذين اتخذوا هذا القرار، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، وضعوا في حساباتهم أن رد الفعل العربي والفلسطيني سيكون نزقاً وتلقائياً واستجابة فورية لزمجرات الشوارع المـُطالبة بوقف المفاوضات غير المباشرة وسحب مبادرة السلام العربية من التداول.

وحقيقةً، فإن توقعات الإسرائيليين الذين اتخذوا قرار مهاجمة السفينة التركية لم تكن بعيدةً عما حصل لاحقاً، فالمظاهرات التي كان مخطَّطاً لها سلفاً من قبل التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين" قد استهدفت "الاعتدال العربي" أكثر من استهداف إسرائيل، وقد صبَّتْ جام غضبها على المفاوضات غير المباشرة، وعلى مبادرة السلام العـربية، وهذا ما كان ينتظره بنيامين نتنياهو، وكان ينتظر أيضاً أن يستجيب وزراء الخارجية العرب لصخب الشوارع ويحققوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي ما كان قد سعى إليه عندما اتخذ القرار الذي نفذه الـ" كوماندوز" الإسرائيلي ضد "أسطول الحرية".

الآن، وبعد هذا الذي جرى، فقد ازدادت عزلة إسرائيل اتساعاً وتجذُّراً، وهذا يفترض أن يتصرف العرب والفلسطينيون بحكمة وألا يقدموا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي وطاقمه اليميني المتطرف ما يحقق له الانتصار في هذه المعركة التي هي معركة سياسية أكثر منها عسكرية، فبنيامين نتنياهو لا يريد السلام أصلاً، حتى بمواصفات الحدود الدنيا التي تمثلها وجهات نظر الإسرائيليين الذين يوصفون على أنهم في معسكر الاعتدال، ولذلك فإنه قد اتخذ قرار الهجوم على الباخرة التركية، وهو يتوقع رد فعل فلسطينياً وعربياً غاضباً يخلصه من ورطة العملية السلمية والمفاوضات غير المباشرة، وما كان ينتظره في واشنطن من ضغوطات من المؤكد أنها هذه المرة فعلية وحقيقية.

إن هناك تحولات حقيقية، حتى في الولايات المتحدة نفسها، تجاه المزيد من التعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم، وهذا يتطلب ألا يقع العرب والفلسطينيون في دائرة الانفعال الأهوج مرة أخرى، والمطلوب هنا هو المسارعة إلى استغلال هذا التعاطف وتوظيف ردود الفعل العالمية إزاء الجريمة المنكرة التي ارتكبها الإسرائيليون لضمان فك الحصار عن غزة أولاً، ولاستصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي ثانياً للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.