من المفترض ألا يقدم بعد إقرار الميزانية العامة للدولة أي مشروع قانون يحمل ميزانية الدولة أي تبعات مالية إضافية غير مرصود لها بند مالي في الميزانية العامة، مثل العطايا والهبات والمزايا الوظيفية الإضافية والكوادر الطارئة التي تترتب عليها تبعات مالية حتى لا تصبح الاعتمادات التكيميلة وسيلة للتلاعب في الأموال العامة وهدرها من دون مبرر، كما أنه من المفترض أيضا ألا تكون الأوامر التغييرية التي تتم بعد إقرار المناقصات العامة وسيلة للتحايل على قانون المناقصات، وطريقة سهلة لتجاوز الاعتمادات المالية الأصلية، لا سيما أن الحكومة ومعها أغلبية أعضاء المجلس قد أقروا الخطة السنوية للعام المالي 2010-2011 التي من المفترض أن تكون مرتبطة مباشرة بالاعتمادات المالية المحددة لتنفيذها. هذا هو ما تعمل به حكومات الدول المتقدمة وبرلماناتها التي تحرص على تنمية ثرواتها الطبيعية، وتعمل بكل ما أوتيت من جهد من أجل المحافظة على إيراداتها العامة ووقف استنزافها، لذلك فإننا نلاحظ في الدول المتقدمة أن مناقشة الميزانية العامة للدولة، التي عادة ما تكون ميزانية برامج وخططا تنموية، تحظى دائما وأبدا باهتمام خاص من قبل الحكومة والأحزاب المعارضة على حد سواء، وتدور حولها نقاشات حامية وجادة تستغرق وقتا طويلا قبل إقرارها بشكل نهائي، ثم وبعد عملية الإقرار تأتي مرحلة متابعة عملية التنفيذ التي يترتب عليها تقييم عمل الحكومة، ومدى كفاءتها في تنفيذ البرامج والخطط التي رصدت لها مبالغ مالية في الميزانية العامة، ومن ثم محاسبتها إذا لم تلتزم بتنفيذ بنود الميزانية العامة بالشكل الصحيح.

Ad

لكن الوضع لدينا مختلف، إذ إن مجلس الأمة لا يعير اهتماما كافيا للميزانية العامة للدولة أو الميزانيات الملحقة والمستقلة، والدليل على ذلك هما أمران، على الأقل: الأول هو الكيفية التي تتم فيها مناقشة وإقرار ميزانيات الهيئات الملحقة والمستقلة والميزانية العامة للدولة، إذ نلاحظ أن ميزانيات ضخمة لعدة مؤسسات حكومية يتم نقاشها وإقرارها خلال جلسة واحدة لا تتعدى بضع ساعات، والأمر الثاني هو مشاريع القوانين الجديدة التي تقدم خلال السنة المالية، أي بعد إقرار هذه الميزانيات، وما يترتب عليه من أعباء مالية جديدة غير واردة في الميزانيات الأصلية التي أقرت.

صحيح أن هنالك لجنة برلمانية خاصة للميزانيات والحساب الختامي لكن هذا لا يعفي أعضاء المجلس ككل من إعطاء أهمية قصوى لمناقشة الميزانيات مناقشة مستفيضة وجادة، بما فيها الميزانية العامة للدولة.

لذا فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ترى لماذا لا يعير أعضاء مجلس الأمة اهتماما كافيا لمناقشة الميزانية العامة للدولة أو الميزانيات الملحقة والمستقلة مع ربطها بالخطط والبرامج العامة؟ هل لذلك علاقة بنوعية نظامنا الانتخابي السيئ الذي يخرج لنا أعضاء مجلس أمة لا يفقهون شيئا في الأمور السياسية الحقيقية، ناهيك عن عدم معرفتهم في كيفية إدارة شؤون الدولة بشكل رشيد، أو أعضاء مجلس أمة أفرادا لا يهمهم سوى نجاحهم الشخصي حتى لو أدى ذلك إلى استنزاف المال العام؟ أم يا ترى أن لذلك علاقة بطبيعة اقتصادنا الريعي الذي يجعل الاهتمام العام بكيفية المحافظة على المال العام وتنمية الإيرادات العامة للدولة أمورا ثانوية؟ أم أن ذلك راجع للسببين معا؟

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة