في زمن عبدالله السالم وبالذات في الثلث الأخير منه تأسست دولة الكويت الأولى المستقلة الدستورية، وفي عام 1976 جرت محاولة لتأسيس دولة الكويت الثانية والتي كانت خلواً من دستور 1962، فلم يتيسر لها أن تكتمل مسيرتها فعدنا مرة أخرى إلى الدولة الأولى بدستورها وإن كان ضمن عبث بدوائرها الانتخابية، وفي 1986 تكررت المحاولة مرة أخرى فتم تأسيس دولة الكويت الثالثة دون دستور وبعزم أكيد على إلغائه واستبدال مجلس الأمة بالمجلس الوطني، إلا أن غزاة الشمال لم يمهلوا ذلك المشروع الانتكاسي حتى يكتمل. وفي 1992 جاءت دولة الكويت الرابعة بنسخة مكررة لدولتنا الأولى. فماذا يحدث الآن، أيُراد لنا أن نخرج من الدولة الرابعة إلى الخامسة، كما فعلَ الفرنسيون حين خرجوا من جمهوريتهم الرابعة إلى جمهوريتهم الخامسة؟

كنت أظن الحديث عن تعديل الدستور أو تنقيحه، لا فرق، قد خبا، وتراجع، و"تمعجن"، إلا أنه يبدو أن المسألة مازالت على قيد الحياة، فبعد التداعيات التي خلقتها ندوة د. يحيى الجمل، وردود الأفعال المتنوعة، وما تلا ذلك من نهاية للاستجوابات، كان من المفترض أن لا تخرج علينا أية مؤشرات في اتجاه التعديل، إلا أنه وللأسف فإن الحديث مازال مستمراً، بل يؤكد المطلعون أنه ستتم إجراءات جذرية في نهاية شهر يناير أو بدايات فبراير. بالطبع لسنا في وارد بحث مدى مصداقية تلك المصادر المطلعة، لكنها بالتأكيد تصر على العزف على ذات المقطوعة النشاز والراغبة في تعديل الدستور من طرف واحد فقط لا غير.

Ad

وكان أبرزُ تلك الأفكار التي تم تداولها بهذا الخصوص هي فكرة تشابه الوضع في الكويت المأزوم سياسياً مع وضع كان سائداً في فرنسا إبان جمهوريتها الرابعة، التي كانت قوة البرلمان والسلطة التشريعية طاغية فيها على قوة السلطة التنفيذية ما أصاب البلاد بالشلل، وأصبح ذلك التشبيه هو محور الانطلاق والارتكاز في المحاولات الجارية لتعديل الدستور من طرف واحد، فحالة الجمهورية الرابعة كان عنوانها ضعفاً حكومياً مفرطاً وقوة برلمانية ملحوظة أدت ضمن ما أدت إليه إلى سقوط الحكومة عدة مرات ما دفع إلى إجراء تعديلات دستورية عبر الاستفتاء العام.

بالطبع قد يبدو التشبيه مغرياً، إلا أن أولى نقاط الخلل في ذلك التشبيه هي أن الحكومة ليست ضعيفة، فها هي تحصل على الأغلبية التي تريد، كما أن مقابلها النواب لا يشكلون كتلة متماسكة. فمفهوم الضعف يعني عدم القدرة على الحصول على الأغلبية وهو غير حاصل لدينا، كذلك فإن الحكومة الفرنسية المقصودة بالضعف إبان الجمهورية الرابعة لم تكن لتأتي عبر دستور يضع اعتباره لوجود أسرة حاكمة كأحد أطراف العقد الاجتماعي، بل إن الاعتبار الوحيد هو للانتخاب فقط. وحيث إن الخروج إلى الجمهورية الخامسة كان عن طريق الاستفتاء، فإن ذلك الأسلوب غير معتمد في الدستور الكويتي.

وبالتالي فإن أي تنقيح للدستور لابد أن يكون عبر التوافق الذي يشترط موافقة سمو الأمير حفظه الله وثلثي نواب مجلس الأمة. وأي ترتيب خلاف ذلك فإنه يتم خارج الدستور وآلياته وسيتم قسراً ومن طرف واحد، وأي حل يتم خارج إطار الدستور فإنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار.

دولة الكويت الثانية سنة 1976 أو دولة الكويت الثالثة سنة 1986 أعادتا عقارب الساعة إلى ما وراء دولة الكويت الدستورية الأولى سنة 1962.

نحن الآن في دولة الكويت الرابعة، دولة ما بعد التحرير، حيث سقطت كل المحاولات لإعادتها إلى زمن ما قبل الدستور، فلم يحدث أي حل غير دستوري، أما الحل الأحادي فإنه لن يقودنا إلى «الدولة الخامسة» أو «الجمهورية الخامسة» المبتغاة بل إلى نقطة الصفر أو أقل من ذلك بكثير، والله المستعان.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة