طويت صفحة أخرى من الزمن (1)
كانت الرمال في وقت المد ترتخي بكسل على امتداد شاطئ الدمنة، في أوقات الجزر كانت تظهر صخور الكلس (جير) الجارحة تغطيها أعشاب خضراء كالغائط المائع، تتخللها مساحات من الطين الداكن، في الجزر لم يكن يسمح لنا بالعوم، فكان الكبار يقولون لنا إن "الفراييل" ترقد في الطين وبين الصخور، و"الفراييل" جمع فريالة، وهي نوع من الأسماك الصغيرة تحمل شوكة سامة على ظهرها، وإذا لامسها السباح تغرز به وتصيبه أوجاع شديدة في باطن قدمه، ولا أعرف الاسم العلمي للفريالة، لكن في أوقات الجزر، كان جزر آخر يتمدد في صدري اسمه الفراغ والملل, فالبحر حين تكون "الماية طفوح" (المد) كانت فرحتنا به كبيرة فنبتهج بالسباحة، وحدث مرة أن تضاعفت بهجتي حين تمددت أمامي على الرمال الساخنة مجموعة من النساء الأجانب لا يغطي أجسادهن البيضاء غير قطعتين من الملابس، أما بقية الأجساد الطويلة النحيلة المستلقية على الرمال الساخنة من أجل "صن تان" فكانت عرايا، كن مرمراً من النور سقط سهواً في خليج "اوه يا مال"، كانت تلك المجموعة من السيدات اللواتي جئن في ذلك الصيف أداة معرفتي كيف يكون جمال الجسد الأنثوي، كنت أراقبهن بعين الصقر، وهو يدرك سلفاً غياب أمله في الغنيمة وخيبة أحلام المراهقة... لكن إن كان واقعي محروماً من متع إشباع الرغبة لمراهق صغير فلم يكن خيالي يعاني الحرمان... فكان هناك العوض الوقتي يتم تخديره مؤقتاً بحكم عادات الحرمان وسواطير العيب والممنوع بوسائل أخرى حين أنفرد بذاتي، أحاور فيها خيالات حوريات الإفرنج، وأحياناً ترافقني صور فوتوغرافية من مجلة الموعد أو الشبكة لنجمات السينما المصرية كسعاد حسني أو نوال أبوالفتوح وهما بالمايوه المحتشم ذي القطعة الواحدة، ويستر قليلاً من الفخذين، وتمضي معها لحظات... وينتهي كل شيء... يخمد بركان الحرمان قليلاً ليعود مرة ثانية بعد وقت قليل... وهكذا كانت تسحقنا سنوات المراهقة في "بئر الحرمان".