أعتقد- خلافا للكثيرين- أن المواطن العربي هو الأكثر التزاما بالقوانين، وقد يكون 95% من مبعث هذا الالتزام هو الخوف من السلطة و5% فقط احتراما للقانون بذاته، ولكن في كل الأحوال النتيجة واحدة وهي الالتزام بالقانون، لذلك كان اعتراض الكثيرين على إزالة التعديات أمراً غير مبرر ولا مفهوم من جانبي، فإذا كنا نطالب القانون بحماية المال الخاص والممتلكات الفردية، حيث لا يقبل شخص أن يعتدي شخص آخر على أملاكه، فلمَ لا نطالبه ونحثه على حماية المال العام وممتلكات الدولة؟!

Ad

بالتأكيد للقانون والسلطة الحق تماما في حماية المال العام، ولا يحق لأي شخص أن يضع أسوارا أو بوابات- مثلا- على قطعة من الأرض ويجعلها ملكا خاصا له، ويمنع دخول الآخرين ليستفيدوا منها. كل ذلك واضح ومفهوم، ولكن ما الجريمة في قيام مواطن بزرع شجرة في أرض عامة من أملاك الدولة؟ وما الإثم الذي ارتكبه هذا المواطن؟ فهو يقر ويعترف بأن هذه الأرض ملك للدولة ولم يطالب بها أو يضمها إلى أملاكه، ومن حق الدولة في أي وقت تريده أن تستغلها فيما تراه. إنه فقط زرع شجرة أضفت جمالا وحسنا وكوّنت ظلا في أرض جرداء لا يهتم بها أحد، فما الجريمة في ذلك، خصوصا إذا كان يرويها ويعتني بها من ماله الخاص، كما أن هذه الشجرة لا تحجب الرؤية ولا تعترض طريق المرور؟!

في الأسبوع الماضي قامت فرقة إزالة التعديات في السالمية باقتلاع الأشجار الصغيرة والشجيرات المزروعة أمام المراكز الطبية في شارع عبدالله الفضالة الموازي للدائري الرابع، وكي أضع القارئ في الصورة لم يمضِ على زراعة هذه الأشجار أكثر من سنتين، أي أنها مازالت في مرحلة الطفولة البريئة كما أنها لا تعترض طريق السيارات ولا تحجب الرؤية ولا تسبب أذى على الإطلاق لأي كائن حي أو جماد باستثناء السيد القانون!

هل يستطيع إنسان تفسير هذا العداء للأشجار واللون الأخضر؟ ولماذا تتم المساواة بين شجرة كبيرة تحجب الرؤية وتعيق المرور وأخرى صغيرة تضفي جمالا للنفس والروح؟!

لست مالكا- ولن أكون يوما ما- لأي مركز طبي أو مشاركا فيه، ولكن ما دفعني للكتابة والحديث حول هذا الموضوع هو فقط فروض الصداقة التي جمعت بيني وبين هذه الأشجار من خلال نافذة غرفتي، فقد شاهدتها بذرة يضعها الحارس تحلم بالحياة، ثم نبتة تنشد الماء والغذاء، وأخذت تكبر وتنمو... أشعر بظمئها في لهيب أغسطس، وأحس بفرحها مع مطر الشتاء، أحادثها فتحكي قصص من ترك سيارته بجانبها ينشد ظلها، فهذا مريض جاء يشكو علة لا يعلمها أحد، وهذه أم أسرعت بوليدها لتلحق بالطبيب وتركت سيارتها في حماية الشجرة، وذاك سائق هندي أوصل كفيله وجلس تحت الشجرة يشكو لها أحزانه وآلامه، يلهو مع جذورها ويعبث بحبيبات التراب حولها... كل هذه الحكايات وغيرها كثير هو سر صداقتي مع هذه الأشجار التي اغتالتها يد القانون والسلطة في صباح يوم مشرق جميل.

ليعلم القانون أن الشجرة كائن حي: «... وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ...» (الإسراء 44) واغتيالكم لهذه الأشجار هو قتل مع سبق الإصرار لكائن حي يسبح بحمد الله، وهذه الأشجار لا حول لها ولا قوة، تشعر بمرارة الظلم وقسوة القهر، وإياكم ودعوة المظلوم كما أقسم الله تعالى في حديثه القدسي: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».

فاحذروا يوما ينتصر الله سبحانه وتعالى لهذه الأشجار البريئة ويسترد لها حقها من القانون الغاشم الذي لا يرحم بريئا ولا يحمي مظلوما.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة