وجدت الخارجية الإيرانية فرصة، وسط كل هذه الانشغالات الداخلية، وهذه الصراعات المحتدمة بين المحافظين والإصلاحيين، لترد على العروض الأميركية التي تطرحها واشنطن كخيارات لتجنب الحرب والمواجهة العسكرية، فقد نُسِبَ إلى ناطق باسمها أنه أبدى استعداد بلاده لعلاقات حسنة مع الولايات المتحدة مقابل موافقتها على الدور الإقليمي الذي تريده إيران، وتسعى إليه في الشرق الأوسط وفي هذه المنطقة كلها.

Ad

إذن فالمسألة، وهذا قاله أكثر من مرة الذين يرون الحقائق كما هي، ولا ينظرون إلى الأمور من ثقوب عباءة الولي الفقيه في طهران، ليست مسألة مقارعة "الشيطان الأكبر"، ولا الاستكبار العالمي، إنما هي مسألة أن إيران ترى أن من حقها أن يكون لها دور الدولة الكبرى في هذه المنطقة، والمؤكد أن هذا الذي قالته الخارجية الإيرانية هناك مفاوضات تجرى بشأنه مع الأميركيين بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة.

ولهذا فإن دعم "حماس" وإقامة دولتها في غزة لا علاقة له بالجهاد والقضية الفلسطينية، ولا بتحرير القدس والمسجد الأقصى، إنه يأتي في إطار استغلال قضية مقدسة لتعزيز القدرات من أجل انتزاع هذا الدور الإقليمي الذي تحدثت عنه الخارجية الإيرانية، وهذا يصح أيضاً على تحويل "حزب الله" إلى دولة مسلحة داخل الدولة اللبنانية، وعلى الضغط المتواصل على الأميركيين على الساحة العراقية.

حتى في بدايات حكم الثورة الإسلامية فإن إيران كانت ترفع شعار القدس وفلسطين، من أجل خلق التفاف شعبي عربي حولها وحول شعاراتها، تستطيع الضغط به على الأنظمة العربية غير المنسجمة والمتناغمة مع تطلعاتها، لتكون القطب الأكبر في الشرق الأوسط، ولتكون شرطي هذه المنطقة على غرار ما كان عليه الوضع، وإن لفترة محدودة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان يعتبر نفسه "قورش" الجديد، ويتطلع إلى نفوذ إقليمي يمتد إلى مصر واليمن... وحتى إلى المغرب العربي.

إن سعي إيران إلى الحصول على القنبلة النووية ليس هدفه إزالة الدولة الإسرائيلية من الوجود، وتحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، بل ان تفرض سيطرتها على هذه المنطقة بالقوة، وهذا ما كان تحدث به محمود أحمدي نجاد مراراً آخرها بعد "تطويبه" رئيساً من قبل السيد علي خامنئي، ومن قبل مجلس الشورى (البرلمان)، إذ أشار إلى أن بلاده تسعى إلى أن تكون لاعباً دولياً رئيسياً، من أجل أن تنتزع الدور الإقليمي الذي تريده في الشرق الأوسط انتزاعاً وبالقوة.

هناك مثل يقول: "خذوا أسرارهم من صغارهم"، وحقيقة ان ما قاله المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ردّاً على عروض أميركا "السَّخية"، يؤكد أن إيران مستعدة في عهد محمود أحمدي نجاد وقيادته ومباركة الولي الفقيه، لمساومة الأميركيين على الدور الإقليمي الذي تريده، وبالطبع بعيداً عن فلسطين وهمومها، وهذا تعرفه "حماس"، ويعرفه "حزب الله"، ويعرفه خالد مشعل، كما يعرفه الشيخ حسن نصرالله تمام المعرفة.

كاتب وسياسي أردني

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء