خلافاً لتوقعات الكثيرين أن الجمعيات العمومية للشركات المساهمة المدرجة بسوق الأوراق المالية وغير المدرجة ستكون مختلفة في العام الحالي عن الجمعيات العمومية لنفس الشركات عن السنوات السابقة، اذ رأوا أن هذه الجمعيات ستشهد نقاشات ساخنة حول كثير من السياسات الاستثمارية لهذه الشركات من جانب كبار المساهمين، كان واضحاً في الجمعيات التي انعقدت خلال الأسابيع الفائتة التبدل في أدوار المساهمين.

Ad

ففي حين شهدت تلك الجمعيات مواقف مؤيدة لمجالس الإدارات ولسياساتها الاستثمارية من جانب كبار المساهمين، جاءت الاعتراضات جميعها من جانب صغار المساهمين الذين اعترضوا على كثير من السياسات الاستثمارية للشركات، بل واعترضوا على مجالس الإدارات أنفسهم.

وعلى غير المعتاد جاء كبار المساهمين في جانب مجالس الإدارات، ولم تشهد الكثير من تلك الشركات اعتراضاً واحداً من جانبهم على أي من بنود جداول أعمال الجمعيات العمومية، خصوصاً تلك المتعلقة بالميزانيات والبيانات المالية أو حتى توزيعات الأرباح، بل توقع الكثير أن يكون هناك اتفاق مسبق في ما بين مجالس الإدارات وكبار المساهمين على بنود الجمعية العمومية.

وفي المقابل استحوذ صغار المساهمين في معظم الجمعيات العمومية على السجالات والاعتراضات على الكثير من بنود جداول أعمال تلك الجمعيات، إلا أنه بطبيعة الحال لم تصل تلك الاعتراضات إلى الدرجة التي قد تلغي أحد البنود أو حتى إلى درجة التحفظ، إذ لا تصل نسب مساهماتهم في الشركات إلى النسبة التي تكفل لهم ذلك.  

وكان من المفترض بعد الآثار التي خلفتها الأزمة المالية على القطاع المالي برمته، والشركات العاملة به على وجه الخصوص، أن تشهد الثقافة الاقتصادية في الوسط الاستثماري في الكويت تغييراً جذرياً، يتماشى مع ظروف وأوضاع المرحلة، ويواكب ما آلت إليه أوضاع تلك الشركات ومعها تبخر ثروات مساهميها.

فبعد انكشاف الأوضاع المالية الحقيقية لكثير من الشركات كان من المفترض، أو متوقعاً، أن تشهد العملية الاستثمارية صداماً واسع النطاق بين أطرافها، لاسيما بين المساهم والشركة ذاتها، إلا أن الأمر لم يخرج عن أنه أصوات عالية يملؤها الصدأ وفقاعات في الهواء فارغة، لا تلبث أن تنتهي وتختفي في الهواء.

فبجانب انتهاء الكثير منها على خير دون صدام أو حتى نقاش يذكر من جهة المساهمين حول النتائج التي وصلت إليها هذه الشركات بعد الأزمة، على الرغم من تردي أوضاعها، انتهى البعض الآخر شاهداً صدامات صدرت من مساهم واحد أو اثنين على أقصى تقدير، تمثل معظمها في انتقادات غير فاعلة حول أمور غير مهمة، انتهت جميعاً إلى لا شيء، إذ إنهم من صغار المساهمين.

سيناريوهات متشابهة

ومع تشابه سيناريوهات تلك العموميات يتطوع مساهم أو اثنان لتوجيه عدد من الأسئلة إلى مجلس إدارة الشركة يتمحور معظمها حول بيانات مالية قد تذكرها بالفعل بميزانية الشركة وبيان دخلها، ويغفل الجميع كثيراً من التساؤلات والتحفظات الأكثر أهمية والأكثر غموضاً في أداء الشركة وأوضاعها المالية.

إعمالاً لذلك، كان يجب أن يكون للجمعية العمومية دور أكثر فاعلية من ذي قبل، نظراً إلى طبيعة المرحلة، وكان لابد أن ترتفع وتيرة المطالبة بأن يكون لها دور فعال، وأن يكون للمساهمين الحق في مناقشة أعضاء مجالس الإدارات من دون أي تردد أو خوف، وهذا حق يكفله القانون لهم، وضمن تلك المطالبات فإنهم يأملون أن يكون نقاشهم هادفاً وعقلانياً يسوده شيء من الهدوء في مقابل الإجابة الواضحة والدقيقة والمؤكدة من قبل مجلس الإدارة لعدد من الأسئلة الجوهرية التي تفرضها الأيام الحالية من واقع أصاب البعيد والقريب.

الحقوق الأساسية للمساهم

في هذا السياق، لابد من التركيز على الحقوق الأساسية للمساهم وتذكيره دائماً بما يحق له وبما يجب عليه عند انعقاد الجمعية العمومية للشركة التي أدت سياستها إلى تبخر ثروته بهذه الطريقة، فقد تبدو الحقوق الأساسية للمساهم في الشركات المساهمة للوهلة الأولى واضحة جلية لا تحتاج إلى عناء كبير في معرفتها، والوقوف على ماهيتها، إلا أن الواقع غير ذلك، إذ أغلبية جوانب هذه الحقوق، وعلى وجه الخصوص التفاصيل الجزئية منها، ليست واضحة بالقدر الكافي، ولم تكن محل اتفاق بين كثير من الآراء، الأمر الذي يتطلب من المساهم البحث والتقصي بشأن هذه الحقوق والتي تتمثل في المقام الأول في افصاح الشركة عن كل ما يتعلق ببياناتها المالية ومركزها المالي ومشاريعها وتوسعاتها.

 ويرى اقتصاديون أن القانون نظم حقوق الأقلية في الشركات أمام الجمعية العمومية، فمن حق أي مساهم أن يطرح أي تساؤل أو استفسار أو حتى أن يتحفظ على أحد القرارات مادام يملك سهماً في الشركة. وقالوا إن الشفافية هي ضرورة ورود كثير من الإفصاحات في ميزانية الشركة، ومن حق أي مساهم الاطلاع عليها، إلا أن يتعلق الأمر بمحافظ العملاء مثلا، فهنا السرية واجبة. وأشاروا إلى ضرورة الإفصاح عن المشاريع المستقبلية للشركة، مشدداً على عدم إعلان تفاصيل المشروع إلا بعد توقيعه.

المدى الاستثماري

واتفقوا بشأن معايير حوكمة الشركات التي تعطي المساهم جميع الحقوق في معرفة كل ما يتعلق بالشركة في حدود ما هو مدرج بجدول الجمعية العمومية، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك أموراً تتطلب السرية التامة، مثل المشاريع المستقبلية، إذ إنها من الممكن الا تتم، وهنا قد تحدث مشاكل تكون الشركة في غنى عنها، أما بعد التوقيع على المشروع فيجب الإفصاح عن كل تفاصيله للمساهم.

وأكدوا ضرورة معرفة المساهم كل ما يتعلق بأداء الشركة، من حيث بنود الميزانية والتوسعات والمشاريع المستقبلية دون الخوض في تفاصيل تلك المشاريع لما تتضمنه من معلومات سرية قد يتعارض إعلانها مع رغبة الأطراف المشاركة في المشروع، بينما يتم إعلانها بعد التوقيع.

إلا أن البعض فرق بين المساهم الاستراتيجي والمساهم القصير الأجل أو المضارب، لافتين إلى أن المساهم الاستراتيجي من حقه معرفة كل شيء عن رؤية الشركة وتوجهاتها وخططها المستقبلية، بعكس المساهم المضارب "فكل مساهم على حسب مداه الاستثماري بالشركة".

والمعروف أنه في الكثير من الشركات فإن صغار المساهمين وإن كانوا يمثلون النسبة الأكبر في رأس المال، إلا أن تفككهم وصغر حجم ملكياتهم للأسهم لا يمكنهم من ممارسة الدور المطلوب، على الرغم من أن القانون يتيح لأي مساهم، وإن كان يحمل سهماً واحداً، إبداء الرأي.

قيود

ويمكن إرجاع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، فمن ناحية يعتقد الكثير من صغار المساهمين أنه لا دور لهم، وأن الخبرات المتاحة لهم لا تمكنهم من مناقشة مجلس الإدارة الأكثر خبرة بمثل هذه الأمور، وهو ما يشكل حاجزاً نفسياً بينهم وبين ممارسة حقهم في مساءلة المجلس.

ويرى البعض ضرورة استعادة الدور المغيب لصغار المساهمين لاسيما في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، ويرون أن الدور المهم للجمعيات العمومية الذي نص عليه نظام الشركات مغيب، بسبب ضعف إقبال المساهمين على حضور اجتماعاتها الدورية أو الاستثنائية، بسبب عدم معرفة بعض المساهمين لحقوقهم في الجمعية العمومية، أو لأن البعض الآخر يرى أن الجمعيات العمومية ما هي إلا تحصيل حاصل.