يحتفل رجال الأمن ويطمئن المواطن على حياته عندما تحل قضية أمنية خلال ساعات أو أيام قلائل، ويشعر رجل الأمن بالفخر ويشعر المواطن بالأمان وأنه محمي وعيون رجال الأمن يقظة، لكن كيف يكون شعور المواطن وذوي الضحايا لو أن مواطنا اختفى، ولم يوجد له أثر، ولم يعرف خاطفه أو قاتله على مدى 48 عاما منذ نهاية عام 1961 حتى يومنا هذا؟
حدث هذا في الكويت، واعتبر الأمر وكأنه لم يحدث، وانتهت حياة محمد علي البداح، وبقيت حسرة أهله عليه وحيرة كل مواطن عرفه، واعتبرت قضيته أول جريمة كاملة في تاريخ الكويت.إن العالم يعرف أنه لا تختفي معالم جريمة ويفلت القاتل إلا إذا كان القاتل فوق القانون، فلم نسمع في تاريخ الإجرام أن فلت أحد المجرمين من الملاحقة والقصاص إلا إذا كان المجرم في موقع الحامي أو مسنودا بسلطة مطلقة.وفي الكويت حدثت الجريمة الكاملة واختفى المواطن محمد البداح من فوق وجه الأرض منذ 48 عاماً، ولم يعرف له أثر أو يعتقل خاطفه أو قاتله حتى يومنا هذا، بل إن السبب الأكثر احتمالا للجريمة لم يبحث أصلا واستبعد ومازال ولا يريد أحد الاقتراب منه رغم محاولاتنا المستمرة.قبل أعوام قليلة أشار رئيس الحكومة وقتها - سمو أمير البلاد - إلى الفساد الذي «لا تحمله البعارين في البلدية»، وتحدث رئيس مجلس الأمة السابق السيد أحمد السعدون عن القضية وربط بين اختفاء محمد البداح والفساد المعشش بالبلدية ولصوص الأراضي في الكويت، وقلنا إنها فرصة لنعيد طرح قضية والدنا أمام مجلس الأمة بعد أن اعترفت الحكومة ومجلس الأمة بالفساد الموجود في البلدية، وقلنا لعل وعسى أن ننجح هذه المرة، ويُتخذ موقف جاد لإعادة البحث والتحقيق، وقدمنا كتابا لرئيس مجلس الأمة لكن الرسالة لم تر النور، ولم تعرض على اللجنة المختصة بحجة أن هذه قضية انتهت بالتقادم، ولا دليل جديداً يستدعي إعادة النظر فيها، وكان هذا هو الرد الذي نسمعه في كل مرة نطالب فيها بمعرفة مصير والدنا.في مجالس الأمة السابقة تحدث النائب محمد الرشيد أكثر من مرة، وطالب الحكومة بتحديد مصير المواطن، والكشف عن خاطفه، لكن مطالباته لم تثمر شيئا لأن أحداً لم يستطع الاقتراب من الحقيقة، وإن أحداً لا يستطيع فتح ملفات سرقات الأراضي في بداية الستينيات والصراع الذي دار بين لصوص الأراضي، لأن هذا الباب هو مفتاح قضية موظف بلدية الكويت محمد البداح، وهو المدخل الوحيد لمعرفة مصيره، وكنا نتأمل أن تكون تصريحات رئيس الحكومة الأسبق حول الفساد في بلدية الكويت فرصة لإعادة البحث وفتح هذا الملف، لكن أهل الكويت كلهم يعرفون أن الكلام لا يعني أن وراءه أي بادرة للإصلاح، فالفساد مستمر، ولن نجد وسيلة فاعلة وصادقة لإيقافه.المواطن محمد البداح حياً كان أم ميتا ستظل قضيته وصمة في جبين الأمن والعدل في دولة الكويت، وما لم تتحرك الحكومة ومجلس الأمة ورجال الأمن لكشف خاطفه ومعاقبته فإن اسمه سيظل يتردد لعل ضميراً يصحو وشاهداً يتذكر يوم الحساب فيكشف ما أخفته السنون.
مقالات
الجريمة الكاملة
21-12-2009