الحضر والبدو والمبدأ
نمت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة في بداية الستينيات، ومنها صدرت الكثير من القوانين والتشريعات التي تحد من التمييز والتعصب والتحرش. وفي الثمانينيات أخذت حركة حماية حقوق الأقليات منعطفاً جديداً فيما أصطلح على تسميته «الدقة أو الكياسة السياسية» (correctness political) وعليه تغير الخطاب العام ولغة الخاص وأصبح هنالك كلمات وتعليقات مقبولة وأخرى مجرَّمة قانونياً أو غير مقبولة اجتماعياً، ولكن القليل تغير في العقلية العامة والخاصة منذ ذلك الحين. فعلى سبيل المثال أصبحت اللغة عمياء للون، ولكن مازال اللون حاضرا في تقييم الآخر والتعامل معه. والأمر نفسه ينطبق على الجنس والعمر والدين والعرق والهوية الجنسية وغيرها.
ولا يقارن الوضع بأي صورة من الصور بالكويت أو العالم العربي والإسلامي بشكل عام حيث تعزز القوانين والتشريعات والفتاوى التمييز والتعصب. ولكن هنالك شبه من حيث تطور حركة شبيهة بالكياسة السياسية الشكلية. فقد يتجنب البعض تسمية الأشياء بأسمائها ويتحسس من كلمات مثل شيعي/سُنّي، بدوي/حضري، أصيل/بيسري وغيرها من المصطلحات التي تعكس «ألوان» المجتمع الكويتي. ولكن هذه الألوان تسيطر على عقلية الأغلبية وتشكل معظم قراراتهم بوعي أو من دون وعي. أوضح مثال حي على ذلك هو استجواب وزير الداخلية القائم. رغم أن الاستجواب أداة دستورية والتصويت على طرح الثقة حق برلماني فإن الغالبية تعميها الألوان عن المبدأ أو تُطلي المبادئ بألوانها الخاصة. فخلال الجلسة لم نسمع كلمة «بدوي» أو «حضري» أو «شيخ» أو «قبلي» ولكنها على بال أغلب، إن لم يكن كل، من كان في القاعة، وشكلت مواقف الكثير منهم بعيداً جداً عن مدى خطأ الوزير من عدمه ومدى أهمية القضايا المتداولة أو أولويتها.فهل كان تفاوت حماس البراك للمال العام في استجواب شرار عنه في استجواب الخالد مبني على المبدأ؟ هل سقوط «الانتخابات الفرعية» من محاور الاستجواب كان سهواً؟ كم من الأعضاء الكرام دافع عن الوزير لأنه فعلاً مقتنع ببراءته؟ كم من «الحضر» وقف مع البراك فقط ليتحاشى أن يعتبر موقفه «فزعة» للشيخ؟ أو ليتحاشى «شق الصف الوطني»؟ كم ستؤثر حسبة البدو والحضر في تشكيل قرار التصويت على طرح الثقة؟المبدأ واضح أسود كان أم أبيض. وتقييم مدى نزاهة وصحة قرارات الوزير يجب أن يحدد بناء على الحقائق والمنطق لا بناء على متطلبات «الكياسة» أو المصلحة السياسية. فهل في المجلس أصحاب مبادئ؟