كنت دوماً على اقتناع بأن باراك أوباما ارتكب خطأً كبيراً حين عين النائب الجمهوري السابق ألان سمبسون رئيساً مشاركاً للجنة خفض العجز التابعة له، إذ كان سمبسون واحداً من أبرز مخربي الميزانيات أثناء عمله في مجلس الشيوخ، بل إنه في واقع الأمر لم يصادف أي مبادرة مدمرة للميزانية ومعززة للعجز يتقدم بها أي رئيس جمهوري إلا وكان في طليعة المناصرين لتمريرها، ولم يصادف أي مبادرة واقعية ترمي إلى خفض العجز يتقدم بها أي رئيس ديمقراطي إلا وكان من أشد المتحمسين لمعارضتها بكل ذرة من كيانه.

Ad

هل يُعقَل أن تختار من اشتهر بتعمد إشعال الحرائق رئيساً لإدارة الإطفاء؟! هذا ما طرأ على ذهني حين قرر أوباما تعيين سبمسون رئيساً مشاركاً للجنة الوطنية للمسؤولية المالية والإصلاح.

ولكن ربما أكون شخصاً غير كريم، ولعل سمبسون غَيَّر قناعاته، وربما وجد نفسه وجهاً لوجه مع ما فعله فأدرك حقيقة ما كان عليه، فندم وأصبح راغباً في إصلاح بعض الضرر الذي ألحقه بأميركا وتوقعات نموها على المدى البعيد.

ولكن حتى لو كان الأمر كذلك فإن الاستعانة بهؤلاء الذين أساؤوا التصرف في مناصب مهمة تتطلب أعظم قدر من الثقة، والاحتفاء بهم كرجال دولة غير متحزبين، يعطي الجيل القادم حوافز رديئة حقاً، وليس الأمر كما لو كان الجمهوريون في الكونغرس يعتقدون أنهم مدينون لسمبسون بما فيه الكفاية لحملهم على تغيير صوت واحد في أي من المجلسين التشريعيين.

لقد أكد لي مسؤولون في إدارة أوباما أن سمبسون غير قناعاته بالفعل؛ وأنه رجل ذكي يتمتع بفهم عميق للقضايا؛ وأنه قادر على التأثير على المراسلين وحملهم على وصف نصيحة اللجنة بأنها "ثنائية الحزبية" (رغم أنه عجز عن تحويل اتجاه المشرعين الفعليين)؛ وأنه يشكل مكسباً حقيقياً للعمل الموضوعي الذي تقوم به اللجنة.

وأخيراً كتب جون بيري في صحيفة التايمز المالية المنشورة على شبكة الإنترنت أنه حتى ذلك غير صحيح، حيث إن سمبسون "متغطرس وهازئ، ومخطئ بشكل فادح في تقييمه لأجزاء مهمة من ماضي نظام الضمان الاجتماعي". فضلاً عن ذلك فإن سمبسون لا يدرك بوصفه رئيساً مشاركاً للجنة، أن وظيفته تتلخص في بناء تحالف واسع النطاق من أجل إحداث التغيير الضروري في السياسات على النحو الذي يفيد كل الأطراف.

والواقع أن بيري يزعم أن سمبسون يعتقد الآن أنه من غير العدل أن نستخدم الإيرادات العامة لتغطية أي جزء من استحقاقات الضمان الاجتماعي، وهذا يعني أن الفائض الضخم في صندوق الضمان الاجتماعي، والذي يتألف من سندات الحكومة التي يتم تخصيص العائدات العامة لتغطية قيمتها، لا وجود له في الواقع ولا يمكن الاعتماد عليه.

وكما يقول بيري فإن سمبسون يعتقد أن "الضمان الاجتماعي مفلس بالفعل لأنه يدفع أكثر مما يحصله من العائدات الضريبية". بيد أن خطة الصندوق منذ عام 1983 كانت تقضي في الأساس بأن يعمل صندوق الضمان الاجتماعي على تحصيل عائدات ضريبية تفوق ما ينفقه لمدة جيل كامل، ثم يتحول إلى استخدام الفوائض المتراكمة لإنفاق ما يتجاوز حصيلته من العائدات الضريبية.

ووفقاً لبيري فإن سمبسون يزعم أن الفائض لا وجود له وأن الأمر لا يتعدى حفنة من سندات الدين، حيث قال سمبسون: "هناك نحو 2.5 تريليون دولار من سندات الدين التي استخدمت لبناء شبكة الطريق السريعة بين الولايات وكل ما استمتع به الناس منذ تأسيس الصندوق".

ولكن كلام سبمسون هذا يخلو من أي منطق، ذلك أن كل الاستثمارات عبارة عن سندات دين، وهذا يعني أن سند جنرال إلكتريك ليس أكثر من سند دين، وعد من قِبَل شركة جنرال إلكتريك بتسديد الدين لدائنيها، وورقة الدولار ليست أكثر من سند دين تتعهد الحكومة بموجبه بدفع القيمة المسجلة عليها، وهذه أيضاً حال سندات صندوق الضمان الاجتماعي.

ولعل أغرب مزاعم سمبسون التي نقلها بيري هي أن لجنة الضمان الاجتماعي في عام 1983 "لم تدرك قط أن الولايات المتحدة سوف تشهد موجة من ازدهار المواليد...". وبالطبع، بدأت موجة ازدهار المواليد بعد انتهاء الحرب العالمية مباشرة ثم بلغت ذروتها في عام 1960. ويقول بيري: "إن ألان غرينسبان، الذي ترأس تلك اللجنة يستطيع أن يقول لسمبسون كلاماً مختلفاً، ذلك أن التحول الديموغرافي الضخم الذي بدأ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة كان على وجه التحديد السبب الذي أدى إلى زيادة الضرائب وخفض المستحقات في عام 1983، بهدف بناء الفائض في صندوق ائتماني حتى يتسنى للحكومة دفع مستحقات الضمان الاجتماعي".

قبل أربعة قرون من الزمان كان هناك إجماع، في أوروبا الغربية على الأقل، على أن وجود حكومة رشيدة في هذا العالم البائس أمر بالغ الندرة. ذلك أن الديمقراطية تنحل دوماً إلى حكم الغوغاء، ويتحول النظام الملكي إلى الطغيان، والأرستقراطية إلى حكم الأقلية. وحتى حين تدار الديمقراطية على النحو اللائق فإنها لا تهتم كثيراً بالمستقبل البعيد، ولا تهتم الأرستقراطية كثيراً برفاهية هؤلاء الذين يطلق عليهم سمبسون "ضعفاء الناس"، ولا تهتم الملكية إلا قليلاً بأي شيء غير الخلافة الشرعية.

ولكن بحلول نهاية القرن الثامن عشر، زعم مؤسسو الولايات المتحدة الأميركية وخلفاؤهم الذين تبنوا فكرهم أن هذا التشاؤم في النظر إلى الحكومة لم يكن مبرراً، فزعم ألكسندر هاملتون أن "علم السياسة، شأنه في ذلك شأن أغلب العلوم الأخرى، قد تحسن إلى حد كبير... وأن التوزيع المنتظم للسلطة إلى دوائر متميزة... ووجود الضوابط والتوازنات التشريعية... واحتفاظ القضاة بمناصبهم ما دام سلوكهم حسناً؛ وتمثيل الناس في المجالس التشريعية بالاستعانة بنواب منتحبين من قِبَلهم... كل ذلك يشكل وسيلة، ووسيلة قوية، يمكن من خلالها الحفاظ على امتياز الحكم الجمهوري والتخفيف من عيوبه أو تجنبها...".

ولعل هاملتون كان متفائلاً إلى حد أعظم مما ينبغي، فحين أنظر إلى أداء لجنة العجز التي أسسها باراك أوباما- بل حين أنظر إلى الحكم على مستوى العالم- أرى العديد من النقائص والعيوب، ولكنني لا أرى إلا أقل القليل من الامتياز، أو لا شيء منه على الإطلاق.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»