مزدوجو الجنسية والجهالات!
طبعاً، وكالعادة عندنا، ستُترك حدوتة «مزدوجي الجنسية» سائبة بين الناس، نهباً لعبث مؤججي الفتن وجهالات الحمقى والأغبياء، ولن يكترث صانع القرار بأن ينظر إليها أو يبت في أمرها، وما همّه في ذلك أن تقع فأس جديدة بالرأس إثر عشرات الفؤوس التي انهالت على رأس هذا البلد المسكين!
بدأنا بالحمقى في الفضائيات، وتلويحهم بكشوفات وملفات يدّعون أنها تحوي أسماء مزدوجي الجنسية، ومر الأمر ولم تكلف وزارة الداخلية نفسها أن تسأل عن هذه الكشوف، ولا حتى أن تقول إنها غير حقيقية لتحفظ بذلك بقايا هيبتها التي ذبحت ذبحاً، وهيبة سرية وثائقها ومعلوماتها، وأنها ليست عرضة لهذا التداول العابث، إن كان هناك شيء من هذا أصلاً، ومرت الأمور عسيرة بعدما أثارت ما أثارت وجرحت ما جرحت، وأخذت ما أخذت، وما كادت.واليوم يأتي الشيخ علي الجابر الصباح، محافظ العاصمة، ليثير الغبار والأتربة مجدداً في وجه هذا البلد وأهله على هامش هذه القضية، بعبارة موتورة وردت في مقال له اتهم بها مناطق بعينها بأن ظاهرة الجمع والازدواج في الجنسية والولاء والانتماء تنتشر فيها!الشيخ عاد واعتذر عن مقالته فقال إنه يعتز بجميع القبائل الذين هم جزء لا يتجزأ من الكويت، وأنه لم يقصد الإساءة لهم فهم أهله وجماعته، على حد تعبيره، والحق أني أود شخصياً قبول اعتذاره، من باب أن ما فينا يكفينا، لكنني لم أستطع منع عقلي من المشاغبة والبحث في مدلولات عبارته، فلا أظنه قالها وهو خارج وعيه، فقد وردت، في مقال له حسن الصنعة مسبوك العبارة إلى حد بليغ، مما حدا ببعض الخبثاء إلى التشكيك بأنه ليس بكاتبه، ولكن ليست هذه قضيتنا، إنما هي أن مقالاً كهذا لابد أن يكون قد تعرض للكثير من المراجعة، وما كان انفعالياً ارتجالياً، ألقاه شخص سادر في غيِّه لا يشعر! حينما يقول الشيخ إن مناطق بعينها تنتشر فيها ظاهرة الازدواج في الجنسية والولاء والانتماء، ويعني بذلك مناطق الدائرة الرابعة تحديدا، وهي التي تقطنها الأغلبية القبلية الكاسحة، فهو واحد من رجلين، إما رجل يمتلك وثائق وأدلة على هذا، ويستطيع أن يخرجها للتدليل على صدق كلامه، ومع ذلك لم يفعل ولم يذهب بها إلى القضاء، وهذه ستكون مصيبة، وإما أنه لا يمتلك من هذا شيئاً وحسبه أنه يحمل قناعة مسبقة ضد فئة أبناء القبائل بأنه يكثر بينهم الازدواج في الجنسية والولاء، فانطلقت منه بغير وعي عبارة كانت مخبوءة تحت لسانه، عاد وتراجع عنها بعدما أطبق عليه القوم، وهذه ستكون مصيبة أعظم وأشد!الشيخ علي الجابر ليس شخصاً عادياً، حتى لو حرص على توقيع مقالاته بكلمة «المواطن علي»، وهو بالمناسبة ما لا أفهمه، فهو محافظ العاصمة، ومن أحفاد الشيخ مبارك الكبير الذين يحق لهم حكم البلاد دستورياً، وبالتالي فما يقوله ويصرح به ويؤمن به، ليس كلاماً هامشياً لا قيمة له، ككلام صاحبه الذي سبقه بالظهور في الفضائيات، وليس مما يمكن تجاوزه إن هو عاد عنه واعتذر، فبعض التصريحات والأقوال من البشاعة أنها كالجرائم لا يكفّر عنها اعتذار.لكنني سأترك الشيخ وما قاله، وسأوجه كلامي إلى من بيده الأمر، وأقول: لقد آن لملف «مزدوجي الجنسية» أن يعالج ويغلق، وألا يترك هكذا كقنابل بدأت تنفجر بأيدي هذا وذاك، وصمت القيادة العليا عن هذا الملف، وتجاهلها له وكأنه غير موجود هو كارثة بحد ذاتها، لا يقبل بها عاقل محب لوطنه. لابد اليوم من مواجهة هذا الملف الشائك، ابتداء بلجم ألسنة التسطيحيين الذين يقرنون ازدواجية الجنسية بالخيانة وعدم الولاء للوطن، إما رغبة منهم في تخوين الآخر وإثارة الفتن، وإما دون إدراك لأبعاد المسألة وتعقيداتها التي تركت نهباً للغوغاء.إن الحل الموضوعي لا يكمن في المطالبة بالتطبيق الفوري لمواد قانون الجنسية، فليس كل قانون ممكن التطبيق، خصوصاً عندنا، فكم من قوانين قد جرى سنّها دون نية حقيقية لتطبيقها بالرغم من تبعاتها الخطيرة. إن تطبيق هذا القانون هكذا بضربة واحدة سيخلق أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، ليس داخل الكويت فحسب إنما حتى مع دول الجوار المتصلة بالشأن، ولا أظن حكومتنا قادرة على التعامل مع مصيبة كهذه، وهي التي عودتنا على الغرق في شبر ماء!على الحكومة والبرلمان المباشرة بالتعامل مع القضية برغبة صادقة للوصول إلى الحل الذي يحفظ لهذا البلد أمنه واستقراره، وأنا أرى فيما طرحه الأستاذ سامي النصف في مقاله الذي نشر في الزميلة «الأنباء» في 27 ديسمبر 2007م، تحت عنوان «ازدواجية الجنسية.. المشكلة والحل»، انطلاقة جيدة للبدء.