من الكثرة إلى الندرة


نشر في 20-09-2009
آخر تحديث 20-09-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان «إنه ليوم سعيد هذا اليوم الذي نحتفل فيه بتصدير الشحنة الأولى من نفط الكويت. ولا أشك في أن كل شخص من شعبنا وأصدقائنا سيفرح معنا بهذا الحدث السعيد الذي هو بحمد الله بداية لمستقبل زاهر». كانت هذه كلمة الشيخ أحمد الجابر الصباح في 1946 حين أدار للمرة الأولى صمام أنابيب النفط في حفل الافتتاح، حسب ما ذكره ديكسون في كتابه «الكويت وجاراتها». كانت بالفعل بداية شهدت نجاحاً منقطع النظير، ففي أقل من ثماني سنوات أنتجت الكويت ألف مليون برميل، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت، حسب ما ورد في مقال (نشره ديكسون في كتابه) لمارغريت كلارك المنشور في صحيفة «بتروليوم تايمز» في 1953، أكدت أنه «من أهم المنجزات الصناعية... فلم يسبق أن طورت حقول للنفط بمثل هذه السرعة» بالرغم من التعقيدات والصعوبات الكثيرة كقلة الأيدي العاملة الماهرة وشح الموارد الأولية وبدائية وسائل المواصلات، والأحوال المناخية القاسية وارتفاع درجة الحرارة «فالشمس والرمال عدوان منيعان في بلاد لا ماء فيها ولا يزيد هطول الأمطار فيها على خمس بوصات في السنة».

أما المشكلة الرئيسية فكانت ضحالة مياه الخليج التي صعبت من مهمة نقل معدات التنقيب والنقل والتعبئة الثقيلة جداً التي كانت تحضر من بلاد على بعد آلاف الأميال، حيث كانت تضطر السفن «إلى القاء مراسيها على مسافة أميال من الشاطيء»، ليعاد نقل تلك المعدات بواسطة سفن صغيرة، الأمر الذي عرضها لاحتمالية الكسر أو التحطم في كل مرحلة... بالإضافة إلى تحديات تدريب العمالة المحلية وغيرها من الأمور الفنية، كل تلك الصعاب جعلت هذا النجاح في وقت قصير نجاحاً «خارقاً وجباراً» أدى إلى نتائج «باهرة». والسبب في ذلك وضوح الرؤية والاصرار والعزيمة والدقة في العمل والانتاج، الأمر الذي أدى إلى نجاحات أخرى كإقامة معمل الأسفلت ليستخدم في تعبيد الطرقات، ومحطة توليد الطاقة الكهربائية ومعمل تكرير مياه البحر وغيرها من الإنجازات المدنية العظيمة... وبذلك جسدت هذه المرحلة «الانتقال المفاجيء من الندرة إلى الكثرة» واستخدام عوائد النفط في التطور والازدهار الذي مرت به الكويت بالإضافة إلى استثمار الفائض للمستقبل.

نذكر هذه الأحداث التاريخية التي نقلها ديكسون كشاهد على ذلك الزمان... لنقارنها بدراسة حديثة للخبير النفطي فاهان زانويان الرئيس التنفيذي لشركة «بتروليوم فاينانس» (وهي شركة تقدم استشارات استراتيجية في حقل الطاقة العالمية)، قدمها لمركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت، يوصي فيها بإعادة مؤسسة البترول الكويتية إلى مؤسسة نشيطة لإقامة المشروعات، بعد أن تحولت إلى بيروقراطية حكومية، ووجوب العمل على تجنب تسييس شركات النفط الوطنية، فقد أدى التدخل السياسي في عمليات مؤسسة البترول الكويتية (بسبب التعقيدات الصارمة في المصادقة على القرارات التجارية) إلى جعلها مؤسسة ذات خطوات بطيئة ومتأخرة. فبينما يمكن شرعياً أن تسيس قضايا السياسة النفطية العامة وتحول إلى مواضيع تطرح للنقاش العام، فإن العمليات التجارية والفنية لشركات النفط الوطنية يجب ألا تخضع أبداً لتلك العملية. كما أكد على أهمية تبسيط وتوضيح مستويات الإدارة في القطاع النفطي. فعلى الرغم من كفاءة كادر المهنيين في مؤسسة البترول الكويتية، فإن قراراتها تمر عبر مراحل بيروقراطية عدة لا تستطيع أي مؤسسة في العالم أن تعمل بفعالية مع وجود هذه القيود، كمرورها عبر لجان وهيئات المجلس الأعلى للبترول، وديوان المحاسبة، والحكومة وحتى البرلمان.

لذا، يستدعي إصلاح القطاع النفطي إيجاد وزارة قوية تمثل أهداف الحكومة، وصياغة سياسة منسجمة مع هذه الأهداف، وبناء شركات نفط وطنية قوية تتمتع بكفاءة فنية وتشغيلية ومجلس تمثيلي مسؤول له الكلمة الأخيرة في جميع قرارات الاستثمار الكبرى، وإنشاء وكالة تنظيمية مستقلة بإمكانات فنية ملائمة لتنظيم القطاع. وبيّن زانويان ضرورة تطوير أهداف وتوقعات واضحة ومترابطة لقطاع النفط وشركات البترول، وتأمين إجماع داخل الحكومة حول هذه الأهداف. وصياغة خطط عامة واضحة لإدارة قطاع النفط والغاز، وتزويد شركات النفط بتفويض كاف. ومنح شركات النفط حرية للعمل، ضمن الخطوط العامة التي تضعها الدولة، وفي إطار من الاستقلالية الإدارية الكاملة ثم محاسبتها على تحقيق نتائج وأهداف محددة. كما شدد على ضرورة إبعاد إدارة قطاع النفط عن المصالح الطائفية والفئوية.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل ننتقل اليوم من الكثرة إلى الندرة بعد أن كان العكس هو الصحيح؟

• حمداً لله على سلامتك يا د. البغدادي وأطال الله في عمرك.. عدت والعود أحمد. 

back to top