مع بداية القرن الحالي والنمو الملحوظ في سوق الأوراق المالية اقبل المستثمرون الكويتيون على الاستثمار في الأسواق العالمية بمختلف أشكالها، من أسهم ومعادن وذهب ونفط، ترجمة لشهية الربح السريع وتناسيا لسيكولوجية التعامل في تلك الاسواق التي تتطلب اليقظة والترقب اكثر من المغامرة للبحث عن الفرصة الاستثمارية الموعودة.

Ad

لكن، كما عرقلت الازمة المالية هذا النمو في السوق المحلي أو قضت على فقاعته، فهي عرقلت أيضا النمو الحاصل في معدلات الاستثمار في الأسهم العالمية.

وأكدت أوساط ذات صلة أن الظرف الحالي يعد مناسبا للعودة مرة أخرى إلى التداول في الأسهم العالمية، خصوصا الأميركية وأسهم الشركات المدرجة بالاسواق الناشئة كالصين والهند والبرازيل.

وقالت الأوساط إنه بالفعل عاد هؤلاء المستثمرون إلى التداول في هذه الاسهم بما يشير الى ان هذه الاسواق بدأت تجاوز تبعات الازمة المالية، وانها على اعتاب معدلات نمو مرضية تحقق عوائد استثمارية جيدة لهؤلاء "المغامرين".

وفي حين اكد خبراء اسواق المال اهمية التواصل بين المستثمرين الكويتيين والاسواق العالمية، لفتوا الى ان الاستثمار عن طريق الاسهم او البترول او المعادن الثمينة او المتاجرة بالعملات الاجنبية بطريقة الهامش (المارجن) يعتبر استثمارا عالي المخاطر، وقد لا يكون مناسبا لجميع المستثمرين بتحديد الاهداف المرجوة من هذا الاستثمار والقدرة على تحمل المخاطرة.

وعن مدى اهتمام المستثمرين الكويتيين بالتداول في اسواق المال العالمية قالوا ان هناك شريحة لا بأس بها تهتم بهذا النوع من الاستثمار، وهي في تزايد مستمر عاما بعد عام.

واضافوا ان الاقبال على الاستثمار في هذا المجال كبير، لكن بعض المستثمرين يتخوف من الولوج في اتجاه الاستثمار في اسواق المال العالمية، لان معظمهم غير مؤهل للتعامل مع طبيعة هذه الاسواق حتى لو كان عبر شركة وساطة في الكويت، حيث إن بعض هذه الشركات يقدم دعما فنيا فقط للمستثمر، وبالتالي سيكون وحيدا بقراره مع حركة السوق وقد يتعرض لخسارة كبيرة.

واكدوا ان هناك مستثمرين غامروا في هذا الاستثمار، لكنهم عادوا مرة اخرى الى السوق الكويتي لانه الملاذ الآمن رغم ما فيه من قصور في عمليات الافصاح والشفافية، علاوة على قدرة المستثمر على معرفة الشركة المراد الاستثمار فيها وقراءة بياناتها المالية، ما يمهد له اتخاذ القرار الاستثماري الصائب.

واشاروا إلى ان الدخول في الاسواق العالمية من خلالها يتطلب اشخاصا لديهم الخبرة الكافية، إذ ان الاستثمار في الاسواق الاميركية ليس سهلا، ومن المفترض العمل على توزيع الاستثمارات فيه للحد من المخاطرة، لافتين الى ان من يقوم بهذا العمل عليه قراءة البيانات المالية التي تصدر عن الاقتصاد العالمي ومن ثم الاميركي حتى يكون قراره الاستثماري جيدا.

إشكالية سعر الخصم

اكد استاذ الاقتصاد مؤسس ومدير مركز المعاملات المالية التابع لكلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت د. عبدالله السلمان أن اغلب الاسواق المالية اليوم اقل من قيمتها العادلة، ولذلك تمثل فرصا استثمارية جيدة.

وقال السلمان إن الفاصل هنا في ان يكون المستثمر على استعداد لوضع امواله مقابل ان تكون هناك فرص افضل، بمعنى ان الدخول في الاستثمار لابد ان يكون استراتيجيا.

واضاف انه بالنسبة إلى المتداول اليومي، الذي لا يتعدى حجم استثماره 100 الف دينار، هناك فرص في الاسواق عالية التذبذب، اما المستثمر الاستراتيجي فهو يريد حصصا استراتيجية لتحقيق العائد المقنع، موضحا ان اسعار بعض الاسهم انخفضت من مستويات الـ 80 دولارا في 2008 الى الدولارين فقط في الوقت الحالي.

واوضح انه على الرغم من ان هذه الاسعار مغرية للشراء، فإن هناك خطورة في الاستثمار في الاسهم العالمية كسعر الصرف على سبيل المثال، مشيرا الى انه اذا زادت اسعار الاسهم في الولايات المتحدة فسيربح المستثمر، لكنه سيحقق خسائر اذا كان استثماره في اسواق اوروبية، نظرا إلى انخفاض العملة الاوروبية (اليورو) حتى وان كان سعر الصرف ثابتا لانه يتغير مع تغير العلاوة، ولذلك فلابد ان يكون السؤال: "هل يعد الاستثمار مناسبا مع استقرار سعر الصرف؟".

من جهة اخرى، قال السلمان إن اسعار اسهم الشركات تعد مناسبة مع اعتبار شراهة المستثمر للمخاطر الاستثمارية، وبذلك فإن الاستثمار العالمي "خارج حدود الدولة" قد يكون مجزيا اذا تخطى مخاطر سعر الصرف.

واضاف ان هناك فرصا في الاسواق الاوروبية، لكن الامر يتوقف على مخاطر سعر الصرف هناك وشهية المستثمر لمواجهة تلك المخاطر، اضافة الى مخاطر السوق المالي التي تتعلق باقتصاد الدولة نفسها.

ورأى ان قليلا من هؤلاء المستثمرين لا تتعدى نسبتهم الـ 15 في المئة لديهم هذه الشراهة، اضف الى ذلك حاجز اختلاف اللغة، فالبيانات الاقتصادية تصدر هناك بلغة اجنبية وليست بالعربية بعكس الاستثمار في الاسواق العربية او الاقليمية.

واشار الى ان هناك توجها كبيرا من قبل المستثمرين الى السوق السعودي، فهناك عدد كبير من المحافظ، اضافة الى ضخامة رؤوس الاموال العاملة به، والسياسة النقدية الجيدة المتمثلة في التدخل الحكومي القوي.

اما بالنسبة إلى القطاعات فأكد السلمان انه على المستويات المحلية والاقليمية والعالمية فإن المستقبل لقطاعات الطاقة والطاقة البديلة، التي تشهد طلبا كبيرا على مؤسساتها، اضافة الى قطاعات المنتجات الطبية والاتصالات والتكنولوجيا، وبصفة عامة فإن المستقبل لاقتصادات المعرفة.

ظروف مواتية

اكد نائب الرئيس التنفيذي في شركة مشاريع الكويت الاستثمارية (كامكو) زيد خلدون النقيب أن معظم المستثمرين بدأوا مرة اخرى التداول في الاسهم العالمية، مشيرا الى ان الوقت مناسب جدا للاستثمار في الاسواق العالمية.

وقال النقيب ان هناك بوادر انتعاش بدأت في الظهور في تلك الاسواق، اضافة الى ان هذه الاسواق تتميز بالشفافية اكثر من السوق المحلي، والامر لا يتوقف على الاسواق الكبيرة كالسوق الاميركي، وانما هناك اسواق ناشئة اخرى لا بأس بها كالصين والبرازيل.

واضاف انه بدأت بوادر العودة مرة اخرى للتداول في الاسواق العالمية مع بداية الربع الثالث من العام الماضي، لافتا الى ان الظروف ملائمة جدا، إذ ظهرت بوادر الانتعاش الاقتصادي.

واكد ان المستثمرين اتجهوا بالفعل إلى هذه الاسواق عن طريق محافظ وصناديق، لان اداءها افضل بكثير من المحلية، مشيرا الى ان هؤلاء المستثمرين لم يخرجوا من استثماراتهم حتى في وقت الازمة، على المستويات المحلية والعالمية على حد سواء، لكن ما حدث هو تقلص الاوزان ليس الا.

واشار الى ان الظرف الحالي مناسب للاستثمار العالمي، نظرا إلى انخفاض اسعار الفائدة، اضافة الى مستويات اسعار النفط الذي صاحبه انتعاش اقتصادات تلك الاسواق.

اما بالنسبة إلى القطاعات فقال النقيب إنه مع مراقبة الاسواق، فنجد ان القطاع الاستثماري بدأ في البروز مرة اخرى خاصة في الولايات المتحدة، اضف الى ذلك قطاعات الطاقة والتكنولوجيا.

وبالنسبة إلى الاسواق الناشئة اشار الى ان قطاع المقاولات في الصين بدأ في الانتعاش، اذ بدأوا هناك مشروعا كبيرا في البنية التحتية، اضافة الى سوقي الهند والبرازيل اللذين انتعشت فيهما قطاعات البنوك والخدمات الاستشارية.

وعلى المستوى الاقليمي فقد تميز عدد من الاسواق الخليجية في الفترة الاخيرة، اضافة الى تميز السوق المصري الذي بدأ ينتعش اكثر من السوق المحلي، وفي النهاية كل سوق يتميز بقطاعات معينة.

القدرة الاستيعابية

قال مستشار تطوير الادوات المالية في شركة الشعب الوطنية العقارية محمد الثامر إن جميع الشواهد التي تتعلق بالاستثمار في اسواق المال العالمية او الـ Foreign Equity باتت اكثر قوة.

واضاف ان الكثير من هذه المؤشرات عوضت خسائرها فالـ "داو جونز" على سبيل المثال عوض معظم خسائره في وقت الازمة، اضافة الى وجود مؤشرات ملحوظة تدعم الاقتصاد العالمي.

واوضح ان عنصر الربحية لم يكن هو الهدف للمستثمرين وقت الازمة الاقتصادية، فدائما ما يسعى المستثمر إلى البديل الافضل، وقد يكون ذلك البديل هو الربح، وقد يكون في بعض الاحيان الحفاظ على الاموال، والاصح هنا هو عمل مفاضلة بين الاسواق المالية.

واشار الى انه اذا كانت رؤية المستثمر تتعلق بأن الاقتصادات لا تزال تعاني فهناك دائما عزوف عن الاسواق المالية خاصة الاجنبية، ولكن الملاحظ اننا نرى تحسنا في هذه الاسواق خاصة الاسواق الناشئة كالهند والبرازيل والصين والسوق الروسي، واضاف ان الازمة المالية لم تؤثر في السوق الاميركي كما اثرت في الاسواق الاوروبية التي اصبحت طاردة.

من جهة القدرة الاستيعابية قال الثامر إن هناك العديد من الاسواق الجيدة من ناحية النمو، ولكنها ذات قدرة استيعابية ضعيفة، ولذلك فإن الاموال تتجه الى الاسواق الاخرى ذات القدرة الاستيعابية العالية، مشيرا الى ان بعض الاسواق لديها سيولة ولكنها ليست نظامية، واضاف ان المستثمر يلجأ دائما إلى الاسواق التي توفر له القدرة على الخروج منها في اي وقت. اما في ما يخص القطاعات فاشار الى ان الكثير من القطاعات في هذه الاسواق حققت مكاسب عالية من ادنى مستوياتها وقت الازمة المالية، فقطاع الخدمات المالية حقق مؤشرات جيدة اضافة الى قطاعات الصناعة والخدمات الطبية.

وبصفة عامة فإن هذه الاسواق توفر للمستثمر ادوات اكثر من الموجودة على المستوى المحلي، بما يعني توافر بدائل استثمارية للمستثمر.

قطاعات محددة

رأى رئيس فريق دريال للتحليل الفني يعقوب باش أن الوقت مناسب للعودة مرة اخرى الى الاستثمار في الاسهم العالمية، لكنه اكد ان الاصح هو العودة إلى قطاعات معينة، لا كل القطاعات، إذ إن بعضها لا يزال يواجه بعض الصعوبات الناتجة عن الازمة المالية.

وقال باش إنه يجب على المستثمر ان يكون حذرا في استثماره في الاسهم المحلية والعالمية على حد سواء، خاصة ذلك الذي تضرر من الازمة المالية بشكل اكثر حدة، ولذلك فعليه ان يتجنب المخاطرة في الوقت الحالي.

وبينما اشار الى ان هناك توقعات بارتفاع الاسعار، فالذهب على سبيل المثال قد يرتفع الى 200 دولار، لكن الاقتصاد الاميركي يواجه صعوبات تتمثل في تضخم اسعار الاسهم، مشيرا الى ان التوجه الى هذه الاسهم بمعدلات مرتفعة سيؤدي الى حدوث فقاعة سعرية كتلك التي سببت الازمة الاقتصادية العالمية.

واضاف ان رأس المال جبان، فالمستثمر يفضل الآن الاحتفاظ بأمواله وعدم المخاطرة بها، حتى على المستوى المحلي، اضافة الى انه يريدها بسرعة إن دخل بها في اي استثمار.

ولفت الى ان الافضلية في الاسواق العالمية هي الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا والطاقة.