في أعياد ثورة الفاتح !
انسجاماً مع رفضه المستمر للمناصب، وتأكيده أنه ليس رئيس دولة، بل قائد «ثورة» هي ثورة الفاتح، التي يحتفل الأشقاء الليبيُّون في هذه الأيام بذكراها «العطرة» الأربعين، فإنه كان على (الأخ) العقيد القذافي، له أحر التهاني بهذه المناسبة العزيزة السعيدة، أن يسمِّي نفسه «ثائر ثوار إفريقيا» وألَّا يستجيب لمبايعيه الأفارقة، ويقبل أن يُلقَّب «ملك ملوك إفريقيا». لا توجد في إفريقيا ممالك إلا مملكة واحدة هي المملكة المغربية، ولا يوجد في إفريقيا إلا ملك واحد هو الملك محمد السادس، حفظه الله ورعاه، أما باقي ما تبقى فهو جمهوريات لها استدامة الممالك، وهو «ثوار» معظمهم استمرأوا الحكم بعد الوصول إليه فوق ظهور الدبابات وتحوَّلوا إلى رؤساء لهم استدامة الملوك، وإنْ هُم استعانوا من أجل هذه الاستدامة بصناديق الاقتراع.
في كل الأحوال، فإنني في هذه المناسبة العزيزة أَذْكر، وكنت يومها في دمشق أجترُّ -مثلي مثل أبناء جيلي- مرارة هزيمة «يونيو» المنكرة، التي لاتزال مـرارتها في الحلوق حتى الآن، أننا وكنا شباناً مندفعين قد استقبلنا الإطاحة بالملكية السنوسية بفرح غامر، وأننا تصدينا لزميل ليبيّ لم أعد أذكر اسمه، كان قد غادر جامعته في بلجيكا وجاء متطوعاً للجهاد دفاعاً عن فلسطين عشية تلك الحرب المدمرة، حاول التشكيك في «ثورة الفاتح» وفي قادتها الذين لم نكن قد سمعنا إلا بأسماء ثلاثة منهم، هم: العقيد معمر القذافي وعمر المحيشي وعبدالسلام جلود. إنها فترة طويلة... وإنني أذكر الآن وبعد كل هذه الأعوام كيف كان استقبال جيل الشباب في هذه المنطقة، الذين كانوا اعتبروا أن ظاهرة الكفاح المسلح والانطلاقة الجديدة للثورة الفلسطينية هما الرد على الهزيمة «الحزيرانية»، للعقيد القذافي عندما قام بأول زيارة عسكرية ميدانية لـ «الجبهة الشرقية» وكيف كان ردُّ فعل أبناء هذا الجيل عندما أُعلنت الوحدة الثلاثية بين مصر والسودان وليبيا، التي أصبحت وحدة رباعية، ولكنها قصيرة العمر، بانضمام سورية إليها بعد الانقلاب الذي قاده الفريق حافظ الأسد في عام 1970. كان العقيد القذافي، وبقي سنواتٍ طويلة، هو الأكثر اندفاعاً لتحقيق الوحدة العربية التي كان يحلم بها، ومعه جيل كامل، لكنه بعد تجاربَ انتهت كلها بالإحباط وبالفشل الذريع، للأسف لم يكن أمامه إلّا التحليق في «الفضاء الإفريقي» وإلا أن يستبدل خريطة الوطن العربي «من الشام لبغدان ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصر ٍ فتطوان» بالخريطة الإفريقية ويبادر إلى استبدال لقب «أمين الأمة العربية» الذي منحه إياه جمال عبدالناصر باعتباره زعيم هذه الأمة بلقب «ملك ملوك إفريقيا» مع أنه لا يوجد في إفريقيا إلا ملك واحد، ولا توجد فيها إلا مملكة واحدة. كل عامٍ والشعب الليبي بألف خير، وكل عام والعقيد معمر القذافي بألف خير... أما «ثورة الفاتح» فإن الحكم لها وعليها سيكون للتاريخ... والتاريخ الذي لا يرحم في العادة نرجو أن يكون حكمه لمصلحة هذه الثورة، التي من أهم إنجازاتها أنها وضعت اسم «ليبيا» على كل شفة ولسان في رياح الكرة الأرضية الأربع. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء