تصدح بعلو صوتها «خليني شوفك بالليل»!

Ad

نجوى كرم... «شمس» الأغنية تنحاز لليل، وهذه بحد ذاتها مفارقة غريبة، الأغرب أنها تنحاز لليل ليس لأنه يشي برومانسية ما تشد قلب العاشق، وليس لأن السماء ترتدي في هذا الوقت حلة بهية من النجوم يتوسطها قمر ساحر، يوزع حنانه عبر رسائل خضراء للمغرمين، ولا للهدوء الذي يعم الكون فيضفي أحساسا بالصفاء والسكينة تمكّن العاشق من معايشة مشاعرة بشفافية وعمق... ليس لكل الأسباب السابقة تريد شمس الأغنية مواعدة حبيبها تحت جنح الظلام، وإنما لسبب آخر مختلف...

لأن الليل كما تقول العاشقة... يستر العيوب!

والسؤال هو إذا كان الفعل معيبا لدرجة أنه بحاجة للستر، فلماذا تقترفه أصلا؟! وإذا كان هذا الفعل معيبا فلماذا يُتغنى به ويتم صبّه على رؤوس المستمعين قسرا مرات عديدة في اليوم الواحد؟! والحقيقة أن الأغنية لا بد يطبق على كل من شارك في «اقترافها» قانون العيب إن كان هذا القانون مازال ساري المفعول في حياتنا الاجتماعية، فالأغنية تأخذنا في رحلة «ليلية» حمراء نعيش تفاصيلها منذ الموعد إلى أن تصاب المطربة في نهايتها «بغيبوبة»، مرورا باللمس والشم وكل الممارسات اللازمة للوصول إلى تلك الغيبوبة!

أغنية أقل ما يقال عنها أنها «قليلة أدب»، ولابد أن تبلغ بها شرطة الآداب، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلد مثل السعودية، أو أي جهة أخرى معنية بالحفاظ على الأخلاق والآداب العامة في باقي الدول العربية، فإذا كان الليل يستر العيوب، فمن يستر عيب الشمس؟!

أغاني كثيرة على شاكلة هذه الأغنية السمجة التي تحاكي الغرائز الجنسية أما شكلا أو مضمونا أو الاثنين معا، تحتل المساحة الأكبر على خارطة الأغنية المعاصرة، ويُروّج لها ويتم تسويقها بكل اقتدار لترسخ في ذاكرة المتلقي ووجدانه.

الأغنية الهابطة لا تقتصر صفاتها على كون مؤديها يملك صوتا رديئا بامتياز، أو أنه لا يملك صوتا أصلا، ولا لأنها تخلو من الإبداع الموسيقي، فهناك العديد من الأغاني التي تَغنّى بها مطربون يملكون حنجرة صوتية جيدة، وأحيانا فريدة، وضمن إطار موسيقي جذاب، إلا أن مضمون الأغنية يخلو من القيمة الجمالية التي تكرّس لمشاعر حب نبيلة، تعلّي من قيمة العاطفة وتسمو بها، وهذه النوعية من الأغاني -من وجهة نظري- هي أكثر الأغاني الهابطة خطورة، لأن الأغنية الهابطة التي يؤديها صوت قبيح وفقيرة موسيقيا تنفّر المستمع فلا يسمعها، أما الأغنية الهابطة التي يؤديها صوت جميل، وموسيقى تشد الانتباه تشكّل فخا جيدا للمستمع يقع فيه أحيانا كثيرة دون إدراك للمعاني الرديئة التي تسوّق لها كلمات الأغنية.

والحقيقة أن كثيرا من مطربينا لا يملكون الوعي باختيار الكلمة «النظيفة»، وربما لا يكترثون كثيرا بذلك، ولا يراعون أنهم مؤتمنون على ألّا يسخّروا أصواتهم لنقل عهرا ظاهرا، وألا يستخدموا الموهبة العظيمة التي منحها الله لهم والهدية القيّمة التي تفضّل عليهم بها في نقل قبح بيّن.

في الأغنية تحديدا ناقل الكفر... كافر وفاجر وآثم أيضا.