من ضمن الحجج التي يطرحها مؤيدو قانون تنظيم برامج وعمليات التخصيص الذي أقر في المداولة الأولى، هناك حجتان يخيل لبعض المتابعين والمهتمين أنهما حجتان قويتان، لكن عند تفحصهما نجدهما عكس ذلك تماما.

Ad

الحجة الأولى هي أن الوضع الحالي للقطاع العام متردٍّ، وأداء أجهزته سيئ جدا، فضلا عن أنه يعاني شتى أنواع الفساد المستشري، لذلك وحتى نتمكن من معالجة هذا الوضع المتردي فإنه لا مناص أمامنا إلا بيع القطاع العام وتحويل ملكيته إلى القطاع الخاص، فهل هذا صحيح؟ أي هل حل مشكلات القطاع العام لدينا هو بنقل ملكيته إلى القطاع الخاص؟ كلا بالطبع، لأننا وإن كنا نتفق على أن الوضع الحالي للقطاع العام سيئ جدا، ويحتاج إلى إصلاح جذري سريع، فإننا نختلف اختلافا كليا مع طريقة المعالجة التي تدعو إلى تصفية الدور الاقتصادي للدولة من خلال تحويل الملكية العامة إلى القطاع الخاص لسببين، على الأقل، هما:

1- أن هذه الدعوة تركز على نوع الملكية باعتبارها هي المشكلة، متجاوزة بذلك طريقة الإدارة وأسلوبها، لذلك فإنها تتجاوز عملية إصلاح القطاع العام وتحسين أسلوب إدارته التي تعتبر ضرورية جدا للخروج من الوضع الحالي السيئ للأداء العام. بل حتى أن تطبيق الخصخصة بكل أشكالها المختلفة ناهيك عن شكلها المتطرف (بيع القطاع العام) المطروح في القانون الحالي يتطلب وجود أجهزة حكومية رقابية فاعلة تشرف على عمليات الخصخصة بأنواعها المتعددة، وتتابع تنفيذها بدقة للمحافظة على المال العام وحماية المستهلك ومنع الاحتكار وزيادة المنافسة وغيرها من الأمور، فإذا كانت الأجهزة الحكومية فاسدة وغير كفؤة كما يقول مؤيدو نقل الملكية فكيف إذن ستقوم بهذا الدور الإشرافي والرقابي الذي سيحد من فساد القطاع الخاص وجشعه، وهو القطاع الذي يهدف في المقام الأول إلى الربح المباشر والسريع، ولا يعير اهتماما البتة للربح الاجتماعي غير المباشر؟

2- يفترض أصحاب هذا الرأي ضمنا أن القطاع الخاص لدينا هو قطاع متطور يضاهي القطاع الخاص في الدول الصناعية الكبرى، بينما واقع الحال يوضح أن قطاعنا الخاص لا يقل عن قطاعنا العام من ناحية سوء الأداء وانتشار الفساد والشواهد على ذلك كثيرة، بدءا من «أسواق القرين» إلى المنطقة الحرة ومحطات التزود بالوقود، مرورا بالشركة التي تحاكم في أميركا بتهم الفساد، ناهيك بالطبع عن المشاكل الأخرى للقطاع الخاص المتعلقة بصغر حجمه وطبيعته وتركيبته واعتماده على الإنفاق العام والدعم السخي للحكومة ومحدودية السوق وغيرها من المشاكل.

أما الحجة الثانية التي يطرحها مؤيدو القانون، وتبدو حجة مقبولة من ناحية الشكل لكنها متهافتة من ناحية المضمون، فهي أن بيع القطاع العام وتصفيته كما هو مطروح في القانون الحالي ستؤدي إلى توسيع قاعدة الملكية، إذ إن 40% من ملكية المشروع بعد تخصيصه ستؤول إلى المواطنين، بينما حصة القطاع الخاص هي35%، وهي نسبة متدنية لا تؤهله لامتلاك المشروع بالكامل، فهل هذا صحيح يا ترى؟ مع الأسف أن جواب هذا السؤال هو النفي، إذ إن القانون يبين أن نسبة القطاع الخاص في المشروع المخصص لا تقل عن 35% (المادة 12-أ) كما يجيز القانون للحكومة التخلي عن نسبتها وهي 20% (المادة 12- ب)، بل حتى أن كسور الأسهم غير المخصصة للمواطنين بعد انتهاء الموعد المخصص للاكتتاب ستؤول إلى الحكومة التي تقوم بدورها بتحويل ملكيتها، أي الأسهم، إلى الشركة التي رسا عليها المزاد (المادة 14)، إذن وكتحصيل حاصل فإن حصة الشركة الخاصة التي ستشتري المشروع المخصص ستفوق بكثير جدا نسبة 50%، مما يؤهلها للسيطرة الكاملة على مجلس الإدارة والتحكم بقراراته، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الكثير من المواطنين لا سيما أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية لن يستطيعوا الاكتتاب في الشركات الكبرى ذات الرأسمال الضخم لأن دخلهم الشهري لا يكاد يكفي للصرف على متطلباتهم المعيشية اليومية فإن ذلك يعني أن قاعدة الملكية ستضيق وستنحصر في مجموعة قليلة جدا من المواطنين أو حتى الأجانب لأن قطاعنا الخاص في وضعه الحالي لن يستطيع تملك وإدارة المشاريع الضخمة، لكل ذلك فإن «توسيع قاعدة الملكية» لم يكن ضمن أهداف مشروع قانون تنظيم برامج وعمليات التخصيص الذي أقر في المداولة الأولى.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة