حينما فقدت الحكومة ذريعتها !


نشر في 13-12-2009
آخر تحديث 13-12-2009 | 00:01
 د. ساجد العبدلي إن عبور الحكومة محطة يوم الاستجوابات العظيم، وتجاوزها أربعة استجوابات مقدمة من ثلة من أبرز «فرسان» المجلس وأكثرهم قدرة على الخطابة والمناظرة، يجب ألا يجعلها تعتقد ولو للحظة واحدة أن الناس، بمن فيهم من كانوا ينتقدون بشكل مكثف الأداء البرلماني لإدراكهم عدم جدواه بهذه الطريقة التي تكتنفها «الغوغائية» من أمثالي، سيتغاضون عن أدائها المترهل ويغضون الطرف عن ضعفها المكشوف على كل الصعد لأدوارها المفترضة كسلطة تنفيذية.

بل لعلي أقول إن الأمور قد أضحت على العكس من هذا، فقد فقدت الحكومة اليوم تلك «الذريعة» المتكررة التي لوحت بها في وجوه من يلومونها لسوء أدائها وغياب إنجازاتها، ألا وهي ذريعة الانشغال بمن تسميهم نواب التأزيم، وعدم إعطائهم الوقت الكافي لها للعمل الحقيقي والفعال.

تجربة يوم الاستجواب العظيم، كشفت أن مواجهة الحكومة للاستجوابات، كائناً ما كانت محاورها، وكائناً مَن كانوا يقفون خلفها، ليست بالأمر الصعب على الإطلاق، فقد تبين أن الأمر لا يحتاج أبداً إلى الكثير من الاستعداد وتجهيز الدفوع والحجج والبراهين الموضوعية، لأن أغلب من كانوا يراقبون لم يبحثوا عن شيء من هذا على الإطلاق، بل كانوا قد حسموا أمرهم أصلاً واتخذوا مواقفهم مسبقاً، وأن قصارى الأمر هو امتلاك القدرة على «التكتيك» السياسي، وهو الذي كشفت الحكومة عن امتلاكها له بتفوق كبير لضمان العبور إلى بر الأمان بأغلبية كاسحة.

إن هذا الأمر الذي اتضح بجلاء اليوم سيجعلنا لا نقبل من الحكومة أن تتذرع بعد الساعة بإزعاجات نواب التأزيم، ولا بالتلويح المستمر لبعض النواب باللجوء إلى الاستجوابات، بل على العكس من ذلك تماماً، فإن كان النائب الفاضل فيصل المسلم لم يصل إلى مبتغاه عبر استجوابه، فإني أرى أن رئيس الحكومة سيبقى مساءلاً وبقوة أمام الشعب الكويتي كله عن كل ما لم تقدمه، ويجب أن تقدمه حكومته خلال الفترة القادمة من معالجات تصحيحية لتردي التنمية، ومواجهات لتفشي الفساد ومنجزات إصلاحية فعلية، وكذلك إن كان لم يصل استجواب النائب الفاضل مسلم البراك لوزير الداخلية إلى النتيجة المبتغاة لسبب من الأسباب، وهذا احتمال وارد وكبير، فإني شخصياً لن أعفي الشيخ جابر الخالد من تهمة سوء الإدارة وسوء التصرف من خلال تضييع خمسة ملايين دينار تم دفعها إلى ما لا يستحق ولو كان جزءاً ضئيلاً من هذا المبلغ، وكذلك إن كان النائب الفاضل مبارك الوعلان لم يوفق في إدارة استجوابه، فإني لا أستطيع حتى اللحظة أن أبتلع مرور «كارثة مشرف» دون إعلان وزير الأشغال د. فاضل صفر تحمله للمسؤولية السياسية، وكذلك دون أن أرى حتى الساعة معالجة ومساءلة إدارية أو جنائية حقيقية للمتسببين فيها، وكذلك إن كان النائب الفاضل ضيف الله بورمية لم يصل باستجوابه إلى شيء يذكر، فإن هذا كذلك لا يعني أن وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك وما يقال عما يجري في وزارته من هدر وترهل، ولن أقول تجاوزات، بعيدان كلاهما عن المحاسبة والرصد.

مستخلص القول، إننا نتوقع من الحكومة خلال الفترة القادمة أداءً حقيقياً مقنعاً، وإن كنا قد ركزنا خلال الفترة السابقة على انتقاد الأسلوب الغوغائي لبعض نواب البرلمان، واختلفنا مع الطريقة التي كانوا يتناولون بها مجمل قضاياهم ويتعاطون معها إعلاميا، إلى الحد الذي جرى معه اتهامنا بالتملق للحكومة من قبل «أراذل» الناس، فتحملنا ذلك وتجاوزناه إيمانا بأن الحق أحق أن يتبع، وأن هؤلاء بالنهاية قومنا وإن عدوا علينا، فإن هذا لا يعني أننا كنا نختلف مع الخطوط العريضة للانتقادات التي كانت توجه إلى الحكومة، ولا مع الحق الشرعي للنواب في محاسبة الحكومة، ابتداءً من رئيسها مروراً بكل أعضائها، بل استخدام أقسى الأدوات، وإن كان بالطريقة التصاعدية الموضوعية العقلانية، ولا يعني على الإطلاق أننا لن نشير في القادم من الأيام، بل بتركيز مضاعف، إلى مواطن التقصير والضعف الحكومي الفاضح على مختلف الوجوه.

back to top