الأنظمة العربية لن تعدل ولن تعتدل، دون شعوب ثائرة، تطالب بحريتها بقوة وعزيمة وثبات، والشعوب الثائرة نائمة، أو مخدَّرة تخديراً طويل الأمد، وكلما حاولت الإفاقة تمَّ تخديرها من جديد، مرة بالمخدر الاقتصادي، ومرة بالمخدر الديني، ومرة بالمخدر السياسي، ومرات أخرى بمخدرات مختلفة.

Ad

-1-

منذ أكثر من ثماني سنوات، والأمم المتحدة تدقُّ نواقيس الخطر في العالم العربي من خلال تقارير التنمية البشرية، التي تصدرها كل عام، تُحذِّر فيها بالأرقام والحقائق الواقعة على الأرض، وليس بالخطب العنترية والشعارات السياسية، العالم العربي من اقترابه من الهاوية سنةً بعد أخرى، فلا هو يتوقف من الاقتراب من الهاوية، ولا هو يتراجع بعيداً عن هذه الهاوية. ورغم هذه التقارير العلمية الموثَّقة الخطيرة، التي يرتجُ لها الإعلام العربي لمدة أسبوع أو أسبوعين، أو شهر أو شهرين، ثم ينساها، وتطوى صفحاتها وأرقامها وحقائقها الواقعية، في أدراج النسيان، أو تباع هذه التقارير بالكيلو للجزَّارين، وبائعي الفلافل.

فإلى أين نحن سائرون؟ ومن الذي يقرأ مثل هذه التقارير الخطيرة، ويتعظ بها، ويصلح من ذات نفسه وشعبه ووطنه؟

يبدو ألا أحد يقرأ، وإن قرأ فلا يعمل بما قرأ، ويدع أجهزة إعلامه تهاجم هذه التقارير، كما يتمُّ كل عام، ومنذ أكثر من ثماني سنوات، ويتهم المحررين والباحثين الذين أعدوا مثل هذه التقارير- وكلهم من العرب المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والشفافية- بالخيانة ونشر أفكار الاستعمار الجديد وخططه. كما يتمُّ في كل عام وصف هؤلاء المحررين والباحثين بالصهيونية، والعمل لمصلحة الموساد لأنهم يثبتون في هذه التقارير التفوق الإسرائيلي على العرب، في كل المجالات، خصوصا مجال التعليم. وأن إسرائيل لا تستعمل الصراع العربي-الإسرائيلي كحجة لتبرير التقصير أمام شعبها، كما يفعل الحكام والحكومات العربية، التي تستعمل هذه الحجة منذ 1948 إلى الآن. ولعل هذا هو سبب حرص الأنظمة العربية على بقاء هذا الصراع قائماً، منذ ستين سنة ماضية، وربما مثلها قادمة أيضاً. وهو ما يدفع البعض الخبيث لأن يفسر به رفض العرب للسلام والتطبيع مع إسرائيل، حتى لا تعود حجة عدم تحقيق إنجازات تنموية قائمة.

-2-

تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية الأخير، الذي صدر قبل أيام في بيروت، يقرع ناقوساً جديداً في آذان العالم العربي التي أصابها الوقر أو (الطرش). ولكن ما فائدة هذا الناقوس، وقد قُرعت قبله نواقيس كثيرة في السنوات الماضية، ولا من مجيب؟

ناقوس اليوم، من خلال تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية، يقول للعرب، إن أنظمتهم أكثر أنظمة العالم قمعاً ومصادرة للحريات. فالتقرير الذي جاء تحت عنوان: «تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية»، يكشف عن أن الأنظمة العربية تمارس انتهاكها لحقوق المواطنين في الحياة والحرية، من خلال التعذيب، والاحتجاز غير القانوني.

وأضاف التقرير يقول: «تمارس أجهزة الدولة انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني، ودونت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أمثلة على ممارسات التعذيب في ثماني دول عربية بين العامين 2006 و2008». ولكي يتجنَّب المحررون والباحثون سخط بعض الأنظمة العربية، لم يذكروا أسماء هذه الدول.

فهل من جديد في هذا التقرير؟

إن القاصي والداني، والجاهل والمتعلم، والمجنون والعاقل، والكبير والصغير، والغائب والحاضر، يعلم علم اليقين هذه الحقائق، بل هو يعيشها يومياً، وساعةً فساعة، على أرض الواقع، ولكن ما الحل؟

الأنظمة العربية لن تعدل ولن تعتدل، دون شعوب ثائرة، تطالب بحريتها بقوة وعزيمة وثبات.

والشعوب الثائرة نائمة، أو مخدَّرة تخديراً طويل الأمد، وكلما حاولت الإفاقة تمَّ تخديرها من جديد، مرة بالمخدر الاقتصادي، ومرة بالمخدر الديني، ومرة بالمخدر السياسي، ومرات أخرى بمخدرات مختلفة.

وأمل العالم العربي، في أن يكرر التاريخ نفسه، ويأتي لنا برئيس أميركي كجورج دبليو بوش، يصرف مئات المليارات من خزينة الدولة، ومن جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، ويضحى بآلاف الجنود وبالسمعة الأميركية من أجل إنقاذ شعب من طاغيته، ومن حكمه الدكتاتوري كما فعل في العراق، فهذا أصبح الآن من سابع المستحيلات. ولن يتكرر أبداً. فهنيئاً للشعب العراقي بهذه الفرصة الذهبية التاريخية الثمينة.. فرصة التحرير بواسطة قوى خارجية وأموال خارجية تعجز عن توفيرها أكبر الخزائن العربية والإسلامية.

-3-

وعودة إلى تقرير الأمم المتحدة العتيد للتنمية البشرية العربية للعام 2009، فمن الملاحظ أن هذا التقرير، يُشدد ويُركِّز على أن كثيراً من مواطني العالم العربي يعيشون حالة «انعدام الحرية». ولفت التقرير إلى أن الأمن الشخصي للمواطنين في البلدان العربية «مشوب بالثغرات القانونية، وتراقبه، وتتولى تنظيمه مؤسسات تتمتع بسلطة الإكراه، وتقوم على مصادرة الحريات».

وقال التقرير إن معظم البلدان العربية انضم إلى الاتفاقات الدولية الرئيسة الخاصة بحقوق الإنسان، والتي تنصُّ على الحق في الحياة، والحق في الحرية. ودعا التقرير البلدان العربية المعنية إلى الالتزام بتعديل تشريعاتها وممارسات على المستوى الوطني بصورة تنسجم مع أحكام هذه الاتفاقيات، ولكن لا حياة لمن تنادي.

فأُذن الأنظمة العربية اليُسرى من طين، والأُذن اليُمنى من عجين، وبلدان العالم العربي عبارة عن زرائب للحكام، فيها من الأنعام ما يشتهون... فلمن تُقرع الأجراس كما قال همنغواي؟!

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء