أوروبا بين حكمة السياسة الخارجية وحماقتها

نشر في 12-04-2010
آخر تحديث 12-04-2010 | 00:01
كان البعض في أوروبا يحلم بأن يُضعِف بروز القوى المنافسة الهيمنة الأميركية، لكن تبين لهم اليوم أنهم يعيشون في عالم جديد قاس تسكنه دول أو أمم متبجحة، حيث من الأصعب، لا من الأسهل، التوصل إلى حلول جماعية.
 إيكونوميست إليكم ثلاث حكم سائدة تلقى القبول والمصادقة أينما اجتمع كبار المسؤولين في بروكسل: أولاً، مع انجراف النفوذ الاقتصادي والسياسي بعيداً عن الغرب، يستحيل أن تصبح أوروبا قوة دافعة ما لم يتعلم أبناؤها التحدث بصوت واحد والدفاع عن مصالح أوروبا المشتركة. فقد أفادت ممثلة السياسة الخارجية الجديدة في الاتحاد الأوروبي، بارونيس آشتون، لأعضاء البرلمان الأوروبي بأنه "إن تضافرت قوانا، نستطع الحفاظ على مصالحنا، وإلا، سيتخذ الآخرون القرارات نيابة عنا".

ثانياً، تعلّم باراك أوباما من أخطاء سلفه، وها هو يعتمد سياسة خارجية ذات طابع أوروبي، وللوقوف على عرض مثالي لوجهة النظر هذه، اطلعوا على تقرير جديد حول السياسة في الجانب الآخر من الأطلسي أعدتها مجموعة من رؤساء سابقين في المفوضية الأوروبية: رؤساء وزراء سابقون، ومفوضون أوروبيون، وأعضاء بارزون في البرلمان الأوروبي، واثنان من المتنبئين بالاندماج الأوروبي الذين لايزالون على قيد الحياة، جاك ديلور ويوشكا فيشر، ويعلن هؤلاء في تقريرهم الذي نشرته مجموعة مؤيدة للاندماج الأوروبي تُدعى Notre Europe بأن "الرئيس الأميركي يثير الإعجاب مرةً أخرى في أوروبا" بعد أن اعتنق مبادئ مثل العمل المتعدد الأطراف، والحوار، والتفاوض "يعلّق عليها الأوروبيون آمالاً كبيرة".  

أما الحكمة الثالثة فهي أقل إيجابيةً... فقد قوبلت سياسة أوباما التحاورية بصدود ونتائج على حد سواء، وعلى الرغم من عقد اتفاق حول الأسلحة النووية مع روسيا، تبيّن أنه من الصعب التعامل مع مناطق أخرى في العالم، فبعد أن رفضت إيران يد الحوار التي مدتها الولايات المتحدة، عززت نشاطاتها النووية وإجراءاتها القمعية. في المقابل، أبدت الصين ازدراءها لأوباما في بكين وخلال محادثات المناخ في كوبنهاغن، وتحاول روسيا لعب دور القوي في مسألة الدفاع الصاروخي، وحتى دولة البرازيل غير العدائية والديمقراطية أعلنت عدم تأييدها للعقوبات على إيران، ومن جهة أخرى، حين رحبت إسرائيل بنائب الرئيس أوباما، جو بايدن، بإعلانها بناء وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية، نشرت الصحف الأوروبية مقالات حول ضعف السياسة الدبلوماسية لأوباما.  

مع ذلك، لايزال جورج بوش، في نظر كبار المسؤولين الأوروبيين، يحمل الجزء الأكبر من اللوم، وبحسب تقرير Notre Europe "يسعى أوباما جاهداً إلى إصلاح عقد من السياسة المضلَّلة". ويضيف بأن الولايات المتحدة تعيش في عالم حيث "القوة العسكرية باتت أقل أهمية"، بعد أن علَّم العراق الجميع بأن "شرعية القوة" مهمة بقدر فرض القوة.

يمكن تأمل الحكمة السائدة في أوروبا بشأن السياسة الخارجية من جانب آخر أكثر إثارةً للقلق بالنسبة إلى المؤسسة الأوروبية؛ إذ يتمثل رهان الأوروبيين الأكبر في أنه في حال استطاعت أوروبا، بسكّانها الخمسمئة مليون وحصتها الضخمة من الثروة العالمية ولو أنها تتضاءل، التحدث بصوت واحد والاتفاق على بعض المصالح المشتركة، فستكون ذات شأن في النظام العالمي الجديد، لكن إدارة أوباما موحدة الصوت وتدافع عن المصالح الأميركية المتفق عليها. ومع ذلك، يبدو أن القوى العالمية الأخرى لا تأبه دوماً.   

يتيح لنا ذلك إثارة بعض الانتقادات، فوحدة الولايات المتحدة حول المقاربة الدبلوماسية ليست متكاملة؛ والشرق الأوسط شوكة في الحلق بوجه خاص؛ والجميع يجهل ما يجب فعله بخصوص نهوض الصين، لكن المعادلة لاتزال تستحق التفكير. لو بلغ الأوروبيون نصف الوحدة الأميركية حول الهدف والعرض لحققوا أقصى طموحاتهم، فالولايات المتحدة أيضاً قوة عظمى عسكرية، وهو أمر لايزال بالغ الأهمية. يُذكَر أنه من مصلحة الأوروبيين أن يقولوا إن القوة العسكرية لا تهم كثيراً في هذه الأيام؛ ولعل العراق جعل استخدام القوة أكثر تعقيداً، لكن الاستحواذ عليه لايزال محط اهتمام الدول الأخرى، لكن حتى الولايات المتحدة تجد صعوبةً في تحقيق العمل المتعدد الأطراف والحوار، بيد أنه ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى أوروبا، قارة متقدمة في السن تستعر فيها الشجارات وتتفادى القوة العسكرية على نحو متزايد؟

كان البعض في أوروبا يحلم بأن يُضعِف بروز القوى المنافسة الهيمنة الأميركية، لكن تبين لهم اليوم أنهم يعيشون في عالم جديد قاس تسكنه دول أو أمم متبجحة، حيث من الأصعب، لا من الأسهل، التوصل إلى حلول جماعية (تعرض الرأي العام الأوروبي لخيبة أمل بشكل خاص في محادثات المناخ في كوبنهاغن، حيث لا يكاد حضور طفيف للاتحاد الأوروبي يتبدى).

من جهته، أشار جون هولسمان، كاتب أميركي متخصص في شؤون السياسة الخارجية، في الآونة الأخيرة إلى أن القوى الناشئة مثل الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل ستكون معادية لفكرة التقيد بقوانين أو معاهدات تنتهك سيادتها على نحو أكبر من الأميركيين أنفسهم. بحسب هولسمان "يرى مواطنو هذه الدول أن البنية الدولية الراهنة في أغلبها مخادعة وتستهدف منع بلادهم من تبوء مكانها المناسب في العالم".  

بروز الأصوات الخافتة وانهيارها

هل يعني ذلك أن المؤسسة الأوروبية مخطئة بشأن منافع توجيه رسالة موحدة وتشكيل تحالفات لإنجاز الأمور؟ ليس إلى هذا الحد. إن بدا العمل المتعدد الأطراف مهمة شاقة بالنسبة إلى أوباما، فذلك لا يعني بالضرورة أن التبجح الأحادي الجانب سيكون أكثر فعاليةً. كذلك لن تمنح الأصوات المتنافرة الاتحاد الأوروبي نفوذاً أكبر من ذلك الذي يمنحه توحيد الأصوات. لكن على الأوروبيين ألا يتفاءلوا كثيراً بما يستطيعون إنجازه عبر الحوار والاندماج السياسي. لايزال البعض يحلم بأن تشكل السيادة المشتركة في الدول الأوروبية "نموذجاً" لأنظمة الحوكمة العالمية يتخطى الدولة الأمة. يبدو ذلك اليوم أشبه بالخيال، لكن القرن الحادي والعشرين يتشكل ليكون أرض اختبار وحشية للقوة النسبية.  

إليكم بعض الأمور التي تكرر الحديث عنها بصورة مبتذلة كي تستطيع أوروبا القيام بها لتكون ذات شأن في هذا العالم الجديد؛ إذ يتعين عليها التقيد بحكم القانون، لأن التصرف بشكل متوقع يشكل مصدر قوة. وعلى البيروقراطيين الأوروبيين تكرار المطالب عينها، سواء عند التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة أو القبول بانضمام دول مجاورة مثل تركيا. يعلم الشركاء الأجانب الذين يتقيدون بأن الجوائز التي سيحصلون عليها هي دخول السوق الأوروبية، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهكذا دواليك. والأهم على أوروبا أن تظل ثرية، لذا يجب أن تبحث عن مصادر نمو جديدة. لا يهم إن كانت أوروبا، التي يتضاءل نفوذها، تتحدث بعشرين صوتاً أو بصوت واحد، لأنه لا أحد يصغي إليها.

back to top