أصدرت إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف فتوى جديدة الأسبوع الماضي توجب على المرأة عدم إظهار أكثر من وجهها وكفيها عند مخالطتها للأجانب، وذلك في معرض ردها على سؤال للنائب محمد هايف المطيري تعلق بتفسير الأحكام الشرعية الواردة في المادة الأولى من قانون الانتخاب التي أجيزت للمرأة بمقتضاها المشاركة في العمل السياسي.

Ad

إدارة الإفتاء، إدارة حكومية تابعة لوزارة الأوقاف، مسؤوليتها إصدار الفتاوى والإجابة عن أسئلة المستفسرين في المسائل الفقهية، وهي تعمل ضمن إطار استشاري، تقدم بموجبه آراءها حسبما تراه متوافقا مع السؤال الموجه إليها، وعليه فهي غير مسؤولة عن تطبيق القانون أو تشريعه أو تحديد شكل تنفيذه، لأن مسألة تطبيق القانون منوطة فقط بالحكومة، أما التشريع فهو أمر مقصور على الحكومة ومجلس الأمة، وتفسير المواد الدستورية والقوانين تعنى بها المحكمة الدستورية.

هذه الفتوى وغيرها، لا تعني كثيرا مع كامل تقديري لأصحابها، لأن الالتزام بحكم الفتوى أمر خاص بالمستفتي وحده، لكنها تدل على خطورة توظيف الدين وتطويعه ليتواءم مع التوجهات السياسية، وفي حالتنا هذه لجوء نائب لإدارة الإفتاء لتفسير نص قانوني، وهي حالة تكررت أكثر من مرة، منها فصل الاختلاط بالجامعة وأماكن العمل، وإسقاط القروض، وشراء الديون، والتعامل مع البنوك، وحتما في ظل ثقافة الاستفتاء، لن تكون آخر حالة ما لم يسد باب ربط المسائل الشخصية والتوجهات السياسية بالدين.

الكويت دولة مدنية، وستبقى كذلك حتى يتغير نظامها، ومحاولة تطويع الدين وتوظيفه في قضايا سياسية أمر مرفوض، وحريات الناس والمساواة بينهم يجب أن تصانا، فمن يشرع ليس رجال الدين بل الوزراء والنواب، والشعب هو من يحدد شكل الدولة وليس إدارة الإفتاء و«شوية مشايخ».

إن المعركة اليوم ليست معركة تطبيق الدين بين أناس يريدونه وآخرون يرفضونه، كما يصور البعض، بل خلافنا اليوم حول مرجعيتنا، هل هي للدين أم للقانون؟ لأن الإجابة ستحدد بأي اتجاه تسير الكويت.

لدينا طغيان ديني في تعاملات الدولة، فقد حظرت بلدية الكويت على المطاعم والمقاهي العمل بعد منتصف الليل، وأصبح اختلاط أي رجل بامرأة في مكان عام محل شك رجال الأمن، وبيع السجائر والمجلات النسائية محظور في جمعيات تعاونية بموافقة وزارة الشؤون، وبموجب فتوى الأوقاف الأخيرة سيقتصر التعيين في الحكومة على المحجبات.

إننا أمام نتاج تسليم النظام مقاليد الإدارة لقوى الإسلام السياسي، وهو ما يضعه بشكل مباشر داخل دائرة المسؤولية، فنحن نرى زحفا مبرمجا على الحريات، وتعديا سافرا على المرأة، وتقويضا لنظام الدولة المدني، وانتهاكا منظما للدستور، بهدف سحب الكويت ناحية الغلو، وتحويلها إلى دولة دينية.

إن على النظام وضع حد للطغيان الديني الذي نشهده، هذا إذا أراد طبعا أن تسلم الدولة، فنحن وحيدون في مواجهة قوى التطرف، داخل الحكومة وخارجها، وتراجعنا اليوم نتيجة حتمية لسلسلة طويلة من التنازلات، تمكنت بموجبها قوى الإسلام السياسي من اختطاف الدولة، وتغيير معالمها وملامح نظامها السياسي، وهو ما يقتضي التوقف أمامه لتحديد اتجاه أين نسير، وإلى أين سنصل.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء