التراشق الإعلامي بين أطراف عراقية وكويتية أمر مؤسف ويثير بالنسبة إلينا، نحن الذين اكتوينا بنار الاحتلال، شجوناً وآلاماً. إلا انه من المهم الاشارة إلى أن هناك على الضفة العراقية مَن يهوى هذا النوع من التصعيد لأهداف عديدة، ولدينا بالمقابل مَن يسارع الى الوقوع في الفخ المنصوب من قبل أطراف هدفها اختلاق التوتر والسعي اليه. أكثر البعثيين ظرافةً ذلك الذي طالب بأن تدفع الكويت تعويضات بسبب الغزو الأميركي للعراق، وكم كنت أتمنى ان يكون اكثر جدية ويطالب الأمريكان بتلك التعويضات. ويقابل ذلك من بيننا مَن صدّق وأخذ يردد أن الكويت هي التي حررت العراق، وكأنها صاحبة القرار بإسقاط النظام السابق، او انها كانت تستطيع أساسا رفض الرغبة الاميركية في غزو العراق.
بين الكويت والعراق تاريخ طويل من التوتر والقلق، ليس من المنطقي، ولا من مصلحة الطرفين استمراره. ولنأخذ بعض الامثلة، أغلبها غير تقليدي وغير مشهور في الذاكرة العامة. بعد تولي الشيخ عبدالله السالم الحكم في أوائل عام 1950، والبدء في توسع الدولة، كان موضوع الماء يعد أخطر قضية استراتيجية، وعندئذ تم طرح خيارين لتوفير المياه، الاول كان عن طريق جلب الماء من شط العرب، والثاني كان ببناء محطات تقطير المياه من البحر. وعلى الرغم من ان كلفة الخيار الثاني كانت اكبر، وان توجها شعبيا كويتيا كان مؤيدا للخيار الاول، فإن الشيخ عبدالله السالم كان مترددا، فاتخذ قراراً تاريخياً باللجوء الى البحر، ولم يطل الوقت حتى بدأ الحديث عن الاتحاد الهاشمي العربي الذي يضم الأردن والعراق والكويت قسرا، وما ان أسقط عبدالكريم قاسم الحكم الملكي في العراق وزال بالتالي شبح الاتحاد، وما ان استقلت الكويت عام 1961 حتى أعلن قاسم تبعية الكويت للعراق، فكيف كان الوضع لو أن الماء الذي نشرب حينها قد اعتمدنا عليه من شط العرب؟!وفي 1973 وبالاتفاق بين الشيخ جابر الأحمد رئيس الوزراء آنذاك والدكتور أحمد الخطيب النائب في مجلس الأمة بدئ باتصالات مع صدام حسين، وأبدت الكويت خلالها مرونة كبيرة لحل المشاكل العالقة، وعندما أخذت المسألة منحى جديا، ومن دون مقدمات، برزت لنا حادثة الصامتة، التي توغل فيها الجيش العراقي أربع كيلومترات داخل الكويت وقتل وجرح فيها عددا من حرس الحدود الكويتيين، مما أدى الى اغلاق ملف تلك الاتصالات والحدود مع العراق فترةً طويلةً.وعندما حلت الحرب العراقية الايرانية ووقف معظم الشعب الكويتي مهللا لحامي البوابة الشرقية، والحكومة كذلك، وكان الذي يعارض تلك الحرب من أمثالي، يوصف بأنه خائن للأمة في أحسن الاحوال. فما ان انتهت تلك الحرب المدمرة حتى استدار صدام حسين، ليكتشف طريقا جديدا لتحرير فلسطين يمر في الطريق المعاكس عبر الكويت.بالنسبة إلى الكويت، لا أظن ان المسألة هي تعويضات أو ديون، فمَن يقول ذلك يمارس سذاجة مفرطة. ما تريده الكويت هو الأمن والأمان بوجود جار شقيق مستقر ينعم بالرفاه والتقدم والتطور. الا اننا نعاني انعدام الثقة، الذي تحوّل الى خوف حقيقي بعد الاحتلال عام 1990.واقع الحال يقول، إن هناك وجوداً عسكرياً أميركياً ضخماً في البلدين، وان العراق يمر بمرحلة تحول سياسي واجتماعي واقتصادي غير مسبوقة، وان العلاقة العراقية الكويتية تحدد بعض بنودها قرارات الأمم المتحدة حتى إشعار آخر ومن ضمن ذلك مسألة التعويضات التي تم تخفيضها وربما تقرر الأمم المتحدة مستقبلاً إلغاءها، وقد تم فعلا إلغاء مجموعة من الإجراءات الدولية على العراق بسلاسة ويسر، وان الكويت كانت دوما تدعم ذلك التوجه، وان الديون الكويتية لم يطالب بها أحد، بل ان هناك افكارا كثيرة مطروحة للتفاهم الاستثماري المشترك، وان الكويت حرصت على عدم التدخل بالشأن الداخلي العراقي بغض النظر عما يثيره المرجفون، بل ان المصلحة العليا للكويت تسير في اتجاه استقرار العراق.إنها فرصة تاريخية لكسر تلك الحلقة المفرغة التي أرهقتنا، فهل ينتصر المنطق والمصلحة المشتركة، أم نعود إلى ذات المغامرات العبثية؟ كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
أخر كلام
الكويت والعراق وما بينهما
08-06-2009