تسييس قضية النقاب في مصر

نشر في 19-10-2009
آخر تحديث 19-10-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري كان كل أمر يتعلق بالمرأة وعلى مر التاريخ الإسلامي يثير جدلاً واسعاً اجتماعياً ودينياً وسياسياً، وقد تصل حدة الجدل إلى إثارة معارك عنيفة بين المؤيدين والمعارضين لحقوق المرأة، فكانت معركة تعليم المرأة هي القضية المثارة في بدايات القرن الماضي، وانتهت بانتصار دعاة تعليم المرأة، وكانت قضية عمل المرأة هي المعركة التي شغلت حيزا كبيرا في ساحة الجدل بين المؤيدين لعملها في كل الميادين المجتمعية والمطالبين بقصر عملها على التدريس والتمريض خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات، وانتهى الأمر بانفتاح مجالات العمل أمامها حتى وصلت إلى المناصب القيادية.

وفي العقد الأخير من القرن الماضي كانت حقوق المرأة السياسية من انتخاب وترشح للمجالس البرلمانية، وتولي مناصب الولايات العامة، مثل الوزارة والقضاء التي حرمها جمهور الفقهاء عليها، هي القضية الجدلية الساخنة بين المؤيدين والمعارضين لحقوقها السياسية، وانتصرت القيادات السياسية لحقوق المرأة السياسية وأصبحت المرأة العربية تتمتع بكل الحقوق السياسية في معظم الدول العربية والإسلامية وتولت الوزارة والقضاء.

ولا ننسى أيضاً معركة الاختلاط خلال السبعينيات والثمانينيات، خصوصا في الكويت، لذلك كان أمراً مستغرباً بل مناقضاً لكل جهود المرأة ومسيرة كفاحها من أجل نيل حقوقها المشروعة أن تثار قضية «النقاب»، وتأخذ هذا الجدل الواسع في مصر في هذه الأيام، فمجرد انتشار النقاب في مصر واضطرار الدولة عبر مؤسساتها المختلفة للتدخل لمنعه في بعض الأماكن والمؤسسات الرسمية، له انتكاسة إلى الوراء في مسيرة المرأة وكفاحها التاريخي، كما أنه مؤشر واضح لخلل أو عطب أصيبت به مؤسسات التوجيه والتثقيف والتعليم، فعطل عملها وتأثيرها، مما أتاح للمد الخارجي المتشدد أن يستشري بين طبقات المجتمع ويتغلغل في بنيتها الاجتماعية.

لم يكن متّسقاً مع التطور الطبيعي لوضعية المرأة في المجتمع المصري أن تنشغل الساحة الإعلامية والأوساط الدينية والسياسية بقضية النقاب بين مؤيد ومعارض، ولم يكن من الطبيعي أن تشن مثل هذه الحملات العنيفة على شيخ الأزهر لمجرد أن أبدى اعتراضه على طالبة منقبة في الصف الثاني الإعدادي في أحد المعاهد الأزهرية، وذلك أثناء تفقده سير الدراسة بمناسبة العام الدراسي الجديد.

لقد أثار استغراب شيخ الأزهر وجود طالبة منقبة في عمر حفيدته وفي وسط نسائي خالص، فسمح لنفسه كونه أباً ومعلماً وقدوة أن يأمرها بخلع النقاب، كونه نوعاً من التشدد المناقض لهدي الإسلام في التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، وقال لها: إن ارتداء النقاب ليس فرضاً في الإسلام وهو عادة وليس عبادة، وبالتالي فإنه بصدد إصدار قرار بمنع ارتدائه نهائياً في المعاهد الأزهرية، وقامت قيامة المعارضين على تصريحات شيخ الأزهر، واستغلت جماعة الإخوان المسلمين هذه التصريحات للتشنيع على شيخ الأزهر، وأعلن نواب الإخوان في البرلمان المصري أنهم بصدد تقديم طلبات إحاطة «استجوابات» بشأن هذه التصريحات التي اعتبروها تصب في خانة «التغريب»، و«انتهاك الحرية الشخصية، والتعارض مع أحكام علم الفقه وأصوله» علماً أن زعماء الإخوان ورموزه، هم خير من يعلمون أن النقاب عادة وليس عبادة، ومؤلفاتهم شاهدة على ذلك، ولكنه التحزب والمماحكة وتصفية الحسابات السياسية مع الدولة.

يحدث هذا في مصر، البلد الذي ظهر فيه أول صيحة منادية بتحرير المرأة من مواريث التخلف على يد الإمام محمد عبده، ثم تلميذه قاسم أمين قبل مئة عام، وهكذا يجب معالجة من يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ويسعون إلى ترويج فكر معوّق للتطور، لذلك فإن هؤلاء الذين شنوا حملات ضد شيخ الأزهر بهدف تشويه صورته والتشكيك في مصداقيته لمجرد أنه قال لطالبة في عمر حفيدته: «اخلعي النقاب إنه عادة وليس عبادة» لم يكونوا موفقين، وحسناً فعل المجلس الأعلى للأزهر، إذ سارع إلى مساندة الشيخ، وأصدر بيانه بمنع الطالبات والمدرسات من ارتداء النقاب داخل الفصول الدراسية الخاصة بالفتيات، والتي يقوم بالتدريس فيها مدرسات من النساء، وقد أحسن البيان، إذ حصر نطاق حظر النقاب بالفصول الدراسية فقط، كما حرص على توضيح أنه ليس ضد النقاب كحرية شخصية للمرأة تستخدمه في حياتها الخاصة وفي الشارع وفي السوق.

وقد استند البيان إلى 4 مسوغات في منعه النقاب: الأول، الحرص على نشر الفهم السليم للدين بين الفتيات وغرس الثقة والانسجام بينهن. والثاني، أن الإصرار على استخدام النقاب في محيط كله نساء لون من التشدد وتأباه شريعة الإسلام. والثالث، لا يوجد أي منطق أو مبرر لاستخدام النقاب في محيط كله نساء. والرابع، ارتداء النقاب في غير موضعه ترسيخ لرأي الأقلية من الفقهاء في أن النقاب واجب، وكشف الوجه معصية، مما يرسخ في عقول الفتيات الصغيرات وأهاليهن فرصة النقاب، فيجبرون بناتهن على لبسه، وهو يخالف رأي جمهور الفقهاء في أن النقاب ليس واجباً. والخامس، أن الإصرار على ارتداء النقاب في محيط نسائي، إفراز لانتشار ثقافة التشدد، ومنهج الأزهر يدعو إلى الوسطية والاعتدال ومحاربة التشدد.

ومما يحمد في هذه القضية أن معظم علماء الأزهر ساندوا قرار المجلس الأعلى للأزهر، والأقلية عارضت ولم تستند إلى أي حجة مقنعة، فالقضية كانت محسومة على الصعيد الديني، ولكن الذي أثار وقاد الهجوم على شيخ الأزهر هو قوى سياسية مساندة للنقاب باعتباره «حرية شخصية ودستورية» وهي حجة مردودة رفضها حكم المحكمة الدستورية المصرية في مايو 1996 والذي رفض منح هذا الحق لطالبة أرادت أن تدخل المدرسة بنقابها.

وختاماً أود أن أتساءل: إذا كان النقاب واجباً أو حتى مستحباً كما يقولون، وأن كشف الوجه عورة، فكيف يأمر الله المرأة أن تكشف وجهها أثناء الصلاة وفي الطواف حول بيته؟! فلو كان وجه المرأة عورة لما جاز كشفه أمام الخالق عز وجل.

*كاتب قطري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top