لله در حكومتنا، نامت دهرا عن قضية البدون ثم صحت فجأة حين أثيرت دوليا، وتحديدا حين اقترب موعد الجلسة التي سيعقدها مجلس حقوق الإنسان هذا الشهر ليستمع لإفاداتها في شأن ملف حقوق الإنسان وفئة غير محددي الجنسية, وبالرغم من أن أصوات المخلصين قد بحت وهي تناديها طوال 30 عاما من أجل الإسراع بحل هذه القضية محليا، فإنها كانت تصر دائما على صم آذانها كي لا تسمتع لهذه الأصوات الصادقة، وهي عادة لها لم تتخلص منها أبدا، فحاسة سمعها انتقائية لا تطرب سوى لأصوات المديح والثناء من بعض البلابل المغردة في الصحف والفضائيات لها ولكل من يأتي منه منفعة ومصلحة!

Ad

والنتيجة أنها اليوم، وتحت تأثير الضغوط الدولية بدأت تسعى جديا إلى معالجة الجوانب الإنسانية في قضية البدون خلال الأيام القادمة, وأبرزها حقهم في إصدار شهادات الميلاد والوفاة وتوثيق عقود الزواج, وهي مطالبات قدمت سابقا للحكومة من خلال مقترح قانون الحقوق المدنية للبدون الذي تقدم به مجموعة من النواب العام الماضي ورفضته جملة وتفصيلا، لكنها اليوم، وعبر تصريح رئيس مجلس الوزراء للشؤون القانونية وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية -يا طول المسمى- المستشار راشد الحماد تقول إنها تتدارس حاليا آلية جديدة للتعامل مع شهادات ميلاد البدون، وإن هناك مشاورات جادة بين وزارتي العدل والصحة من أجل الخروج بتصور خلال مدة لا تتجاوز أسبوعين, ليكون جاهزاً قبل جلسة الاستماع في جنيف, مؤكدا في الوقت ذاته الحق المبدئي لكل من يولد على أرض الكويت في الحصول على شهادة الميلاد!

سبحان الله... أين كان هذا "الحق المبدئي" طوال هذه السنوات، ولماذا لم يظهر إلا حين تم تدويل القضية؟!!

الإجابة في باقي تصريح الحماد: "الكويت معنية بالرد على استفسارات المنظمات الدولية, ومعنية بتطبيق توصياتها, باعتبارها عضوا في المجتمع الدولي"... يعني حين يشكو ويئن قرابة مئة وخمسين ألف بني آدم من الظلم والغبن المتواصل من عدم نيلهم أبسط الحقوق الإنسانية يتم تجاهلهم ورفض مطالبهم عاما بعد عام، وحين تثار قضيتهم دوليا تتذكر الحكومة "الطيبة" هذه المطالب والحقوق "المبدئية"!  يا سلام... منتهى الإحساس بمعاناة الناس وآلامهم!

يضيف الحماد في تصريحه للزميلة "السياسة" إن "الجهات المعنية زودت وزير الشؤون بالمعلومات الضرورية التي سيتم تضمينها بيان الكويت الذي ستقدمه إلى مجلس حقوق الإنسان العالمي خلال الجلسة المقررة الشهر الجاري في جنيف, من بينها "إنجازات" الكويت في مجال الحفاظ على حقوق العمالة الوافدة!

ما "بلاش" ذكر "الإنجازات" في هذا المجال، "مش ناقصين فضايح وحياتك"! على أي حال، النائب "حسن جوهر" وهو رئيس لجنة غير محددي الجنسية قدم لنا بعض إنجازات الحكومة في قضية البدون حين قال إن سوء تعاطي الأجهزة الحكومية مع قضية البدون هو من وضع الكويت في موقف محرج لا تحسد عليه خلال جلسة جنيف، وأن كل الوزراء الذين خاطبتهم لجنته تجاهلوا تزويدها ببعض المعلومات اللازمة لإعداد تقريرها في شأن الحقوق المدنية والاجتماعية للبدون, وأنهم -الوزراء- لم يلبوا الدعوة لحضور اجتماعاتها, وكلما وجهت لهم أسئلة برلمانية بهذا الخصوص لا يردون عليها, وأن لجنته لن تنتظر طويلا, وستعد تقريرها وتطلب جلسة خاصة لاعتماد حقوق البدون.

أما النائب مسلم البراك فقد دعا الحكومة إلى التحضير جيدا قبل الذهاب إلى جنيف كي تحسن الصورة السيئة للكويت في مجال حقوق الإنسان، وأن عليها أن تحسم قضية "البدون" قبل أن يفرض عليها الحل من الجهات الدولية, فقد آن الأوان للانتهاء من هذا الملف، وألا تذهب إلى هناك من أجل التبرير فقط, وإقناع الأسرة الدولية بغية التغطية على التقصير وحسب، لكن عليها حسم مثل هذه الملفات الإنسانية ومنح البدون حقوقهم, وتجنيس المستحق منهم, لأن "السالفة طوّلت"... مع شكه بقدرة الحكومة على فتح أي ملف من تلقاء نفسها وحسمه بنجاح!

والحق أن مسلم ليس وحده في شكه بقدرات الحكومة، بل كلنا في شك عظيم، ونستطيع أن نجزم منذ الآن أن الحل سيكون دوليا، وغير ذلك... "انسوا الموضوع"!