ادب الحوار واصول الاختلاف


نشر في 16-06-2010
آخر تحديث 16-06-2010 | 00:00
 علي البداح قد يرد البعض على ما أقول بأننا، والحمد لله، لم نصل إلى الضرب بالكراسي أو بـ»القنادر» كما حدث في بلدان أخرى لم تكن متخلفة، وهذا أكيد، لكن نحن في بلد لا يصل كل سكانه إلى عدد سكان مدينة واحدة أو حي في مدينة كبيرة، ومرت خمسون سنة تقريباً منذ بدأت الحياة النيابية. ألا تكفي هذه السنين أن نتعلم شيئاً من أدب الحوار وأمانة الخصومة؟ أنا لا أشك في نزاهة وأمانة أغلبية الصارخين والمنادين بالويل والثبور في كل يوم وكأنهم في ساحة حرب، ولكن ألا يرى هؤلاء أن كثيراً من تعنت الحكومة وتصلب أعوانها هو هذا الأسلوب الجاف والخشن؟ أنا لا أطالب بترك الحكومة تعمل ما تشاء بل أصر على المحاسبة والمساءلة ولكن أتطلع إلى أسلوب أرقى ولغة مهذبه ونغمة هادئة رصينة تعتمد على الأرقام والعلم والحقيقة الناصعة، وليس على العنتريات والظهور برداء بطولة تتردى بسببها الأحوال، وتضيع قضية حق بسبب موقف باطل.

ما الذي يضير أن يناقش النائب قضيته بأسلوب راق ويطرح كل ما يريد دون إثارة وحماس يعلم كل العلم أن نتيجته ضياع القضية؟ رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة ناس منا وفينا قد يصيبون وقد يخطئون، ولكنهم مثلنا عندما نهان، فإننا ننتفض ونرد العنف بالعنف ونلجأ إلى كل الأساليب لإفشال استجواب أو استرداد كرامة، نستطيع مثل الأمم المتحضرة أن نسقط حكومة دون أن تصدر كلمة إساءة واحدة. وصدقوني إن النائب الذي يصل إلى كشف واقعة فساد بأسلوب مهذب، فإنه يكسب الناس جميعاً حتى من كان في صف الحكومة.

انظروا الآن من يقف ضد مجلس الأمة ومن يعيّره بالتأزيم وتعطيل التنمية؟ إنهم أغلبية الناس، وهذا لم يكن ليحدث لو أن النواب أداروا نقاشهم بأسلوب أفضل. الناس مع مجلس الأمة في تصحيح الأوضاع، ولكن الناس لا يريدون المجلس ساحة حرب.

وبعد خمسين عاماً، فإننا لابد أن نكون قد تقدمنا إلى الأمام، ولكن للأسف لو قارنا بين نقاش اليوم ونقاش المجلس الأول لرأينا أننا عدنا خمسين سنة إلى الوراء، وسحبنا الناس إلى الخلف وتعنتت كل الأطراف، فخلقنا كل أصناف الفرقة بين الناس، فالحكومة تجنّد ناسها والنواب كل يخلق تكتله وحزبه وطائفته وقبيلته ومصالحه حتى أصبحت الكويت الصغيرة بسكانها الكبيرة بثروتها من أفقر الدول النفطية في وحدتها الوطنية. ألا يحس النواب بما يفعلون؟

هل أنا أبرئ الحكومة من هذا الخلل؟ بالطبع لا يمكن أن أبرئها ولكن حكومتنا مثل أي حكومة في العالم تتحكم بها المصالح والضغوط المحلية والخارجية، بل إن العالم المتقدم يعمل بكل إصرار على إفساد حكومات العالم الثالث بفعل ازدياد المنافسة على الأسواق، ومن المؤكد أننا لسنا استثناء، إنما بإمكاننا أن نكون أفضل من غيرنا برصد كل مصادر الفساد وحصره وكشفه والمحاسبة على أي خلل، لكن بالأسلوب المتمدن الراقي الذي لا يختلف إثنان على مقاصده ويثني الجميع على جهد من يقوم به بالبحث والدراسة وجمع القرائن بأساليب قانونية دقيقة وتقديمها إلى الرأي العام للمساءلة دون ضجة وبهرجة وصراخ يصل إلى أقاصي الأرض.

نريد مجلساً يقوم بدوره الدستوري دون أن يلغي مؤسسات الدولة الدستورية الأخرى، مجلس يمثل الناس لا يمثل عليهم، مجلس يقود الناس للوحدة لا يمزقهم، مجلس يكشف المتلاعبين ومحاسبتهم بالأصول الدستورية والاجتماعية لكن ليست مهمته الإساءة إليهم وتجريحهم... فهل هناك من يسمع؟ 

back to top