أهنئ الكاتب الروائي الصديق عبده خال بفوزه بجائزة البوكر العربية، لا لأنه يستحق الفوز فقط فهو جدير به، ولكن فرحتنا جاءت من فوز أدبي ثقافي كبير يأتي لأول مرة لمبدع خليجي، وهذا بحد ذاته يمثل سعادة كبيرة لنا كمبدعين خليجيين، وصلنا إلى حافة الاستسلام لليأس والقنوط من عدم الفوز بأي من الجوائز الخليجية أو بتلك الممونة من الخليج، والتي ليس للخليجي أي حصة فيها، وبالطبع ليس له ذرة أمل في الجوائز العربية.
لكن... وأخيراً جاءت البوكر لتحط على باب أول روائي خليجي يفوز بها وهو يستحقها بكل كفاءة وجدارة.عبده خال الذي تعرفت على كتاباته حينما قرأت له روايته «مدن لا تأكل العشب» التي فاجأتني بأمور لم أكن أعلم أي شيء عنها، ولم تكن لدي أي معلومات عن حقيقة ما جرى فيها بالضبط، وجاء عبده خال ليكشف لنا حقيقتها المحزنة والمبكية، وأقصد بها تلك الحرب التي شنها الرئيس جمال عبدالناصر على اليمن، وأنا واحدة من تلك الجماهير التي عشقت عبدالناصر، ومن الذين آمنوا به، ولكني صدمت بما فعلته حربه بالأهالي الأبرياء، وكلمة أبرياء قليلة عليهم، فهم قوم سذج غاطسون في وحل الجهل والعزلة التامة عن كل مجريات الأمور الحياتية، وكل ما يحدث في العالم المحيط بهم، كانوا يرزحون في «قروسطيتهم» المنفصلة عن الزمن، لا يدرون بكل التغيرات التي نقلت العالم إلى حداثة ليس لهم نصيب فيها أو علم أو إدراك لدرجة لم يعرفوا أو يفهموا ماهية هذه الطيارات التي تطير في سمائهم وتقصفهم بشرر نيرانها الحارقة التي أبادتهم، ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع طيور السماء تلك القاذفة بقنابل النابالم الحارق، كانوا يفرون منها إليها، يهربون إلى العراء وإلى البحر ليكونوا صيداً سهلاً لها.هذه المشاهد انطبعت في ذاكرتي منذ زمن قراءتها، وإلى الآن لم تغادرني، رغم مرور كل هذا الزمن عليها، وهذا هو ما يفعله فينا الفن الجيد الذي لا يُمحى من الذاكرة، لأنه كُتب ليبقى وليشم الروح بعلامته الفارقة.روايته تلك كشفت عن تلك الحقائق البشعة التي ربما لم تُكشف حقيقتها لنا بالكامل، ولم ندرك أن تلك الطائرات المصرية قد ضربت مدينة جيزان بقنابل النابالم الحارقة في حربها ضد اليمن، وأنا ما سمعت بتلك القنابل إلا حين استعملتها إسرائيل في ضرب الفلسطينيين، وقامت الدنيا وقتها ولم تقعد في ذاك الوقت.من تلك البدايات تميز عبده خال، وكانت روايته تلك تستحق التوقف عندها وتستحق جائزة أيضا، روايته «ترمي بشرر»، الفائزة بجائزة البوكر لم أقرأها بعد، ولكني أتوقعها عالية الجودة ورفيعة المستوى، فمن كان في بداياته متميزا لابد له أن يعلو أكثر وأكثر.وأخيرا هذه جائزة أثلجت صدورنا وأبهجتنا، وفتحت لنا طاقات وأبوابا للأمل، ولإمكان فوز المبدع الخليجي المهمش والمقصى والمبعد من جوائز الثقافة العربية كلها بما فيها جوائزه الخليجية الكبرى والأكثر أهمية له، هذه الجائزة أتت لتقول إن ثقافة الإبداع الخليجي مهمة ومتطورة وسباقة، وقد قفزت في زمن قصير إلى مصاف الثقافات المتميزة في اختلاف شكلها ومضمونها، فهي ثقافة لها نكهة وخصوصية مختلفة، وطزاجة لم يتطرق إليها من قبل.وألف مبروك لك يا عبده خال.
توابل
واخيراً البوكر خليجية
08-03-2010