نور عاشوراء يهزم عصر الانوار
مرة أخرى يخسر «الأفندية» المعركة أمام تحالف علماء الدين وجمهور العامة والبازار، والسبب بسيط جهل هؤلاء وعدم إدراكهم حقيقة الناس وقوة هويتهم الدينية والثقافية المقدسة.
لقد دق أشباه المثقفين «المتنورين» هؤلاء في الأيام الأخيرة آخر مسمار في نعش ما بات يعرف بجبهة «الإصلاحيين» الذين يزعمون أنهم منتمون إليها، عندما حولوا أنفسهم إلى مطية بيد عصابة من المشاغبين والمأجورين المضادين للسلطة من نوع المناوئين لأصل الدين والهوية الثقافية الإيرانية المقدسة، من خلال الأعمال التي انتهكوا فيها مراسم يوم العاشر من المحرم الحرام، أي يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وهو الإمام الرمز لكل إيراني ذي غيرة- من الساكنين في لوس أنجليس إلى الساكنين في قم المقدسة- أيا تكن معتقداته حتى لو كان لا يحمل في جنباته من «غيرة» الدين إلا البكاء على الحسين.إن «الأفندية» هؤلاء خصوصا ذلك الطيف منهم من جماعة «التنوير» المنبهر بنظريات هابر ماس وغيره من فلاسفة الغرب الجاهلين بأوضاع بلادنا، ومعهم جماعة وسائل الإعلام الأخطبوطي الإمبراطوري الذي لا يعتبر أي خبر «يقينا» إلا أن تؤيده «رويترز» أو الـ»بي بي سي» أو «فرانس برس» في أسوأ الحالات، يضاف إليها كتبة التقارير للقنصليات والسفارات الأجنبية، ظنوا للحظة لشدة جهلهم بحقيقة ما كان يجري على الأرض، بأن إيران تتجه بالفعل إلى الاشتعال وحدوث ثورة جديدة، وأن شوارع طهران باتت تحت سيطرة المعارضة.فلما حصل ما حصل على مدى الأيام الثلاثة التي تلت «واقعة» عاشوراء الجديدة، بهت الذي كفر وتاه في خضم ما حدث، وفقد اتجاه البوصلة وبات يضرب أخماسا بأسداس. فلما كان جمهور الموالاة والمعارضة الدينية الداخلية هم من جنس واحد من حيث العقيدة والانتماء، ولما كان أركان ورموز المعارضة الدينية الداخلية هؤلاء سذجا في السياسة بما فيه الكفاية عندما قاموا بفتح باب «الانتماء» إلى من هبّ ودبّ من القوى المناوئة للسلطة لإشراكهم فيما سموه بـ«الشبكة الخضراء»، ولما كانت السلطة تملك ذلك الكم الهائل من المعلومات عن أصناف وأطياف المناوئين من مدارس اليسار والقوميين والشاهنشاهيين والمنافقين والمنتفعين وغيرهم وأحيانا تعرف أوكارهم، فقد «استدرجت» كل تلك الأطياف المعادية للدين إلى الساحة «الحرام» فخرجت من أوكارها بالفعل، ووقعت في الفخ المنصوب، فبهت الذي كفر في هذا السياق أيضا.وهكذا فإنه لم يبق أمام رموز المعارضة الدينية الداخلية هؤلاء إذن سوى أن يستنكروا ما حصل أو يتهموا حتى من قبل جمهورهم بأنهم معادون للدين والمقدسات بعد أن اتهموا سابقا بالانكفاء والتراجع عن القيم التي قامت عليها الثورة وارتكز عليها النظام.باختصار شديد يمكن القول إن من راهنوا على ثقافة وقيم أربعة عشر قرنا هم الذين انتصروا على أولئك الذين راهنوا بسبب قصر نظرهم على ثقافة عمرها لا يتجاوز مئتي عام من عمر «التنوير».* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني