حتى يوم أمس الأول، كاد أن يصبح يوم الاثنين هو يوم المحكمة، فقد حضرنا أربع جلسات خلال 37 يوماً كانت كلها في يوم اثنين، إلى أن وضع القاضي حداً لذلك، فأراحنا وأراح أسرة الجاسم الكريمة، واستجاب لكل طلبات الدفاع بما في ذلك تأجيل النظر في القضية إلى 20 سبتمبر. كانت المرافعة ممارسة رائعة، وكان سماح القاضي المستشار عادل الهويدي، وإن بعد تردد، لمحمد عبدالقادر الجاسم بالخروج من القفص والترافع أمامه تثبيتاً للقانون وتأسيساً لمبدأ «المتهم بريء حتى تثبت إدانته» انتصاراً للقضاء ذاته بموجب المادة 162 من الدستور التي تنص على أن «شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم أساس الملك وضمان للحقوق والحريات»، بل إن القاضي ذهب إلى أبعد من ذلك بأمر غير مسبوق يسجل له، حين استدعى ابنة وشقيقة الجاسم ليجري معهما حواراً خارج قاعة المحكمة، ليؤكد لهما أنه لا سلطان على القضاء إلا ذاته، وأنه لن يقبل بتدخُّل أي جهة أخرى في حيثيات حكمه، ومن ثم أبلغهما بقرار متوقع وهو إخلاء سبيله. ربما كان ذلك مبرراً للفرح الجزئي.

Ad

كان استمرار حبس محمد عبدالقادر الجاسم احتياطياً يعبر عن تعسف لا مبرر له؛ فالقضية لا تعدو كونها قضية رأي، وكان من الواجب تكييفها بموجب قانون المطبوعات، وليس بموجب قانون جرائم أمن الدولة رقم 31 لسنة 1970، والتفاصيل الإجرائية شابها الكثير من الإشكالات والتعسف غير المبرر، التي لا مكان لها في قضايا الرأي.

التفاعل الشعبي كان نقطة جميلة بغض النظر عن تباين وجهات النظر، فقد عقدت خلال الـ 48 يوماً ما يزيد على خمسة تجمعات جماهيرية، كان آخرها الحلقة النقاشية التي عقدت مساء الأحد في جمعية الخريجين. وكتبت عشرات المقالات، وصدر العديد من البيانات من جمعيات النفع العام والشخصيات العامة، وكان تفاعل المنظومة الدولية لافتاً، والذي كان سيستمر، ومن المتوقع أن يتوقف الآن بعد إخلاء السبيل، ما يدعونا إلى التساؤل عن مبررات الحبس الاحتياطي، ومن الذي دفع ثمنه. وحيث إن هذه القضية قد كشفت لنا بعض نواحي القصور فقد بات لزاما تعديل التشريعات التي تمنح حقا مطلقا بالحبس الاحتياطي، حتى لا يتحول إلى عقوبة للأبرياء قبل صدور الحكم عليهم بالإدانة أو البراءة، كذلك هناك ضرورة إلى تعديلات رئيسة على قانون 31 لسنة 1970 لجرائم أمن الدولة فهو بنصه القائم ينتمي إلى العصر الحجري وبالتأكيد لا ينتمي إلى دولة تدعي أن حكمها ديمقراطي. كما يتطلب الأمر التأكيد على تطبيق بنود العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي أصبح قانوناً محلياً بعد إقراره من مجلس الأمة عام 1996 بموجب المادة 70 من الدستور.

وعلى أية حال، فإن القضية لم تنتهِ، وحالة الاستلاب والفكر التسلطي مازالت تعشش في أذهان البعض، بل إننا مقدمون على متاهات لن تنتهي بانتهاء مأزق الحبس الاحتياطي. حيث سيتم اليوم الأربعاء النطق في قضية رأي أخرى رفعها سمو رئيس الوزراء ضد خالد الفضالة الأمين العام للتحالف الوطني الديمقراطي، وهي قضية رأي بامتياز، خاصة أن القاعدة العامة تفترض فيمن يتولون المناصب التنفيذية الكبرى أن يتحملوا النقد العام.

أما غالبية أعضاء مجلس الأمة، فقد كانوا لغزاً محيراً، وإن كنا نتفهم تقاعس بعضهم، ولكن المخجل أن يقوم بعضهم بالضغط على أحد مندوبي المنظمات الدولية لإبلاغه بمعلومات مضللة عن قضية الجاسم، بل إنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك حين أصدروا حكمهم بالإدانة حتى قبل أن تبدأ المحاكمة الفعلية، فقرروا أن يصبحوا قضاة والحمد لله أنهم ليسوا كذلك.

يتردد دائماً إن كان هذا المجلس سيكمل مدته، وفي ظني أن مجلساً بهذه النوعية من النواب لن يكمل مدته فحسب، بل سيتم التمديد له دورة أخرى، إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.