لم تنجح "التوضيحات" و"الاستدراكات"، التي صدرت عن أمين سر حركة فتح- الانتفاضة ابو موسى، على أثر ردات الفعل اللبنانية الرافضة لموقفه الممانع لإزالة السلاح الفلسطيني الموجود خارج المخيمات، في احتواء موجة التفسيرات والاعتراضات التي صدرت عن معظم الأطراف السياسيين والحزبيين اللبنانيين والتي توجها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بإعلان أن السيادة اللبنانية ليست موضوعا قابلا للتفاوض مع أي كان.

Ad

ولعل "اللغز" الأهم في ما صدر عن ابو موسى هو حقيقة الموقف السوري من ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لاسيما أن هذا الملف كان من بين الملفات التي اتفق على معالجتها كل من العاهل السعودي الملك عبدالله مع الرئيس السوري بشار الاسد، تمهيدا لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى سورية. ويبدو أن المعنيين في لبنان لم ينجحوا بعد في التقاط اي إشارة جازمة لناحية طبيعة الموقف السوري مما صدر عن أبو موسى. فلا طبيعة المحادثات بين الأسد والحريري تسمح بالذهاب الى حد توجيه أصابع الاتهام الى سورية بالوقوف وراء تصريحات ابو موسى، ولا طبيعة العلاقة بين فتح- الانتفاضة ودمشق تسمح بالتأكيد أن أبو موسى بات في موقع القادر على التغريد خارج السرب السوري أو على الأقل بات يتمتع بهامش من المناورة يسمح له بالادلاء بما أدلى به من دون العودة الى القيادة السورية أو الأخذ بالاعتبار مصالحها والتزاماتها في هذا المجال. وعلى الرغم من الرأي القائل إن سورية ربما تكون هي التي دفعت بأبو موسى الى إعلان ما أعلنه، ليس من باب نسف تسوية الملف، وإنما من باب تحسين موقعها في هذه التسوية ورفع سعرها في هذه التسوية، فإن بعض العارفين بالوضع الفلسطيني الداخلي لا يستبعدون احتمال أن يكون ما صدر عن أبو موسى جزءا من لعبة الأحجام والأدوار على الساحة الفلسطينية. وهم يشبهون موقف فتح الانتفاضة من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، بمواقف الوزير السابق وئام وهاب من المسائل الوطنية في لبنان. فكلاهما لا يتمتعان بثقل تقرير، لكنهما يسعيان من خلال إعلان المواقف "النافرة" الى حجز مقعد إن لم يكن على طاولة التسويات الكبرى، فعلى الأقل في الإعلام المرافق لهذه التسويات.

وفي اعتقاد بعض القيادات السياسية في لبنان أن دمشق تسعى من خلال مواقف أبو موسى الى ربط ملف ترسيم الحدود بملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لتدعيم موقفها من الترسيم في بعض النقاط الحدودية المختلف عليها بين لبنان وسورية، لاسيما في البقاع الغربي. بحيث تعتبر دمشق أن السلاح الفلسطيني في تلك المناطق ليس على الأراضي اللبنانية بما يبرر بقاءه "ورقة احتياط" يمكن لسورية اللجوء اليها عندما تدعو الحاجة.

وتذهب بعض الاجتهادات الى حد اعتبار مواقف ابو موسى الاخيرة بمنزلة واحدة من الترجمات للتباينات في مقاربة الوضع اللبناني بين دمشق وطهران، وللتجاذب بين سورية وايران على الإمساك بورقة القرار الفلسطيني من خلال حركات فتح- الانتفاضة وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة. وفي ظل عدم الاتفاق بين المراقبين على مقاربة واحدة لخلفيات موقف ابو موسى، فإن الاتفاق بين الجميع يكاد يكون شاملا في شأن استمرار اصطدام الإجماع اللبناني العلني على الأقل على ضرورة إزالة السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات كخطوة أساسية من خطوات بسط الدولة اللبنانية سيادتها على أراضيها بواقع استحالة تحويل هذا القرار الى واقع ميداني لاعتبارات محلية وإقليمية متداخلة ومعقدة.