من يتابع المناورات الإيرانية الجارية على قدم وساق في المياه الخليجية الدافئة وقرب مضيق هرمز يخال أن إيران تستعد للحرب المرتقبة ضدها وكأنها واقعة غداً!

Ad

غير أن من يتجول في أي مدينة إيرانية بما فيها العاصمة طهران يخرج بانطباع يكاد ينفي من خلاله أي احتمال لوجود سيناريو حرب يمكن أن تقع ضدها في المدى المنظور على الأقل!

هذه هي إيران كانت دائماً، وهي تراوح مكانها على هذه الصورة المركبة في الوقت الحاضر، ويبدو أنها مستمرة على هذا المنوال إلى ما شاء الله!

فهي من جهة لا تخشى الحرب إن لم تكن «مشتاقة» لها لتلقين ما تسميه بالاستكبار العالمي بدرس لن ينساه لأنه يتطاول على قامة ثورة يظن أنها بلورت الشخصية الإيرانية المستقلة بشكل نهائي!

وهي من جهة لا تريد لهذه الحرب أن تقع لأنها تعتقد أن منطق تاريخها الضارب عميقاً في تاريخ الأمم الصانعة للحضارة والتمدن، هو أقوى من منطق الحروب وتكسير العظام!

بين هذه وتلك من النظرتين أو بين ذلك وهذا من الزمنين، يقود أحمدي نجاد إيران الدولة والمجتمع ضمن جدول من الأولويات يعتبر إلى حد ما نوعاً من «خريطة طريق»، كما يصف البعض برنامجه، نحو التحرر والاستقلال الناجز لانتزاع ما يمكن تسميته بالاعتراف بدولته العلية على أنها الدولة الاقليمية الأعظم في بلاد الشرق الجديد الذي يساهم خطابه «المناكف» في تظهيره، وكأنه الشريك الذي لابد منه في إعادة صياغة المعادلة الدولية بعد تعثر المشروع الأميركي في المنطقة!

الملف النووي بات وراءها، هكذا تتعاطى طهران مع هذا الملف الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها، وتعتقد حكومة نجاد جازمة أن العالم وكيفما توافق أو افترق على العقوبات «الذكية» أو الغبية كما هي تسميها، فإنه لن يستطيع أن يغير شيئاً أساسياً لا في أنشطة ملفها النووي الماضية فيه حتى النهاية، ولا في نشاط وحيوية المجتمع الإيراني الذي يبدو أنه عقد اتفاقية صلح أو مصالحة أو «اتفاق جنلتمان» غير معلنة بينه وبين الحكومة، بأن تكون السياسة لها وحدها بينما تأخذ هي ما تريد من الحريات الاجتماعية في غاية المرونة، وذلك على طريقة المثل الإيراني الشهير «هل رأيت الجمل لا ما رأيته؟!»

لا حرب في الأفق إذن، لكن ذلك لا يمنع مطلقاً أن تبقى طهران العسكر والأمن والاستخبارات والدبلوماسية في أعلى درجات الجهوزية لمواجهة أي طارئ محتمل، فالحرب خدعة والعدو ليس من النوع التقليدي العادي، لاسيما إذا ما ربطنا ملفات المنطقة بعضها ببعض!

فمنوشهر متكي يهدد بتفعيل معاهدة الدفاع المشتركة مع دمشق التي تقول إن الدفاع عن أسوار دمشق من ضروريات الدفاع عن أسوار طهران! وأحمدي نجاد يطالب القوات الأجنبية بترك المنطقة على وجه السرعة!

والمرشد الأعلى للثورة والبلاد يحذر مما سماه بمحاولات أوباما التضليلية وانتقال سمة الخطاب الأميركي مما سماه «الطبيعة الثعلبية» إلى ما سماه بـ»لغة الذئاب»، ويحزم أمره ويجزم بأنه لن يسمح مطلقا بعودة الهيمنة الأميركية مرة أخرى على إيران بأي شكل من الأشكال.

في هذه الأثناء، فإن الإسرائيليين يحاولون أن يصوروا المنطقة وكأنها على كف عفريت، وأنها أشبه ببرميل من البارود، يزعمون بأنه لن يمنع اشتعاله إلا بالسيطرة على الطموحات النووية الإيرانية!

هذا فيما يستمر شد الحبال بين واشنطن وتل أبيب حول أقل الأساليب كلفة وأكثر الطرق أمنا للخروج من هذا المعترك المتشابك بين الملفات!

إن تلك التحديات التي تتنامى بوجه إسرائيل وأميركا هي الشرنقة كما يحاول أحدهم وصفها، بسبب إصرار الأولى على عدم الاعتراف بحقوق الغير، وانغماس الثانية في مستنقعات ووحول الحرب الكونية ضد الإرهاب من جهة، وإصرارها على الدعم المطلق لإسرائيل.

شرنقة إن تركت هكذا دون مبادرات للحل، تزيد من شدة الخناق حول عنق الاثنتين، وإن استمرت الاثنتان على موقفهما المعروف في مكابرته وعدم الاعتراف للآخر بأي حقوق تذكر، فإن الأمور ستكون أكثر تعقيداً مما يتصوران، وقد تتحول في لحظة ما إلى سيف قاطع سيفتك بالشرنقة بلا ريب، لكنه قد يقطع ليس فقط رقبتي القوتين المكابرتين، بل قد يأخذ في طريقه رقاب العديد من الحلفاء والأصدقاء ممن رهنوا رقابهم أو وضعوها تحت تصرف من ظنوا أنه الأدهى والأقوى في معادلة الحرب والسلام!

بحساب الضرب والقسمة والطرح والجمع قد تبدو الحرب أحد الخيارات الممكنة لتغيير الصورة الخانقة على خصم إيران اللدود، ولكن في حساب المعادلات الرياضية المعقدة والمفاجآت غير الواردة في مادة الحساب العادية قد يكون مثل هذا الخيار هو العمل الأخير الذي قد يقدم عليه البعض قبل أن ينهي فيه حياته كما يتردد في بعض كواليس المنطقة!

هذه هي الصورة المروعة التي تلاحق حكومة تل أبيب، قبل أن تقدم على أي خطوة تجاه أي من الأطراف المتحالفة ضدها من غزة إلى بيروت إلى دمشق وصولاً إلى طهران، وهي نفسها الصورة التي تلاحق ظلالها صانع القرار الأميركي، وهو يطارد صانع القرار الإسرائيلي لمنعه من خطوات حمقاء قد تطيح بما تبقى من هيبة أو مصداقية لدى حلفائه أو أصدقائه من العرب أو المسلمين!

إنه زمن اللاخيار الذي بات يعيشه الحليفان الاستراتيجيان، في ظل تشكل معادلة إقليمية رادعة حاولت صورة المشهد الدمشقي الشهير أن تلخصه يوم التقى القادة الثلاث أمين عام «حزب الله «اللبناني والرئيس أحمدي نجاد والرئيس بشار الأسد في قصر الشعب السوري قبل مدة!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني.