اهداءات خاصة في الارفف
تتسع دائرة ما يسمى بالمكتبات الخاصة إلى حد يشمل كل بيت من البيوت، إذ يندر أن نجد بيتاً يخلو من ركن مخصص للكتاب، وقد تضيق هذه الدائرة إلى حد يجعلها مخصصة للعلماء والمشاهير الذين يقتنون كتباً قد يصل عددها إلى عشرات الآلاف. الأمر يرتبط بأهمية الكتاب وقيمته العلمية.
ومهما يكن فإن لهذه المكتبات الخاصة ظروفاً وأحوالاً، خصوصاً بعد رحيل مؤسسها عن الدنيا، وقد لا يكون من بين أبنائه وورثته من يولي أهمية لهذه المكتبة، ويرى من الأفضل اختيار أيسر السبل للتخلص منها، فيبيعها بأزهد الأثمان، أو يرسلها مجزأة إلى سلة المهملات خارج المنزل. ومن هنا تبرز أهمية إهداء هذه الكتب إلى المكتبات العامة، أو الجامعية، أو المراكز البحثية والعلمية المتخصصة. وهو السبيل الأفضل برأيي للحفاظ على قيمتها العلمية وإفادة الباحثين بها. وتستوقفني كتب مهداة من هذا القبيل حين أتردد على مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، إذ وجدت من بين الإهداءات كتباً مهداة مثلاً من ورثة المرحوم الدكتور مبارك بلال الصوري إلى المكتبة مع خطاطة صغيرة بخط اليد في إحدى صفحات الكتاب، ووجدت كذلك كتباً مهداة من الباحثين أنفسهم إلى المكتبة مع عبارة تشير إلى ذلك، وما أكثر الكتب المهداة بصفة شخصية إلى الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين تنتهي في نهاية الأمر إلى أرفف المكتبة، ليستفيد منها باحثون آخرون وطلبة جامعيون. ومن أطرف ما يصادفك كتاب مهدى من المؤلف إلى باحث أو شاعر أو أديب آخر، يحملها هذا الأخير إلى مكتبة البابطين وبالتالي نقرأ إهداء مركباً، ومن ذلك كتاب في الأدب الحديث مهدى من المؤلف عبدالغفار مكاوي إلى الشاعر عبدالوهاب البياتي، ويشير في إهدائه إلى بعض اللقاءات والمواقف الخاصة جداً. قد يكون البياتي أهدى هذا الكتاب إلى المكتبة أو أحد من ورثته لا يهم. المهم أن الكتاب أفاد باحثاً أو قارئاً آخر وجد فيه ضالته.تتسم هذه الكتب ذات الإهداءات الشخصية بميزة أخرى، فهي مليئة بالهوامش والتعليقات، والعبارات الدافئة الوجدانية، إذ إنك وفي غمرة اندماجك في القراءة العلمية المتخصصة تُفاجأ بعبارة إنسانية تخرجك من صداع البحث إلى حالة إنسانية أقل ما يقال إنها جميلة، وتحرك شيئاً في داخلك. تسرح بخيالك قليلاً ثم لا تلبث أن تعود إلى مادتك العلمية. أما الهوامش التي يكتبها الباحثون على صفحات الكتاب قبل إهدائها فإنها تحوي جوانب علمية وإضاءات هامة قد تساعد الباحثين الجدد. إن قراءة علمية «سيميائية» متخصصة لهوامش هذه الكتب الخاصة وعبارات إهدائها قد تجلو وتكشف أشياء مهمة نغفل عنها أو لا نلقي لها بالاً.ربما نحتاج إلى تكاتف من عدة جهات لاقتناء هذه المكتبات الخاصة وإعادة الاعتبار إليها، سواء بعد رحيل مؤسسيها أو حتى في حياتهم، كأن ان تدفع الجهات الحكومية أو العامة مبالغ مادية مقابل اقتناء هذه الكتب من ورثة العالم الراحل، إذ من غير المعقول أن تهدى هذه الذخيرة العلمية مجاناً، خصوصاً إذا كان مالكوها فقراء أو يحيون على عيش زهيد. بالطبع لا أتوقع أن تصل قيمة هذه المقتنيات إلى قيمة شراء منديل أم كلثوم الذي بيع قبل أيام، بحسب وكالات الأنباء، بمبلغ يزيد على مليون دولار، أو قيمة «شعرة» ألفيس بريسلي التي بيعت بمبلغ يزيد على مئة ألف دولار. في حالة الكتاب العلمي لا نطمح إلى هكذا مبالغ، ولكن المهم أن تُقتنى بمبلغ يعيد الاعتبار إلى إنسان أفنى عمره في جمع هذه الكتب، وقد يكون من بينها مخطوطات نادرة. وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى مركز جمعة الماجد في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يبذل جهداً لاقتناء المخطوطات والكتب النادرة وبمقابل مادي جيد في كثير من الأحيان، فلمَ لا تحذو المكتبة الوطنية في الكويت هذا النهج وكذلك مكتبات جامعة الكويت، ووزارة التربية؟ ذلك إضافة إلى الجهد البارز الذي تبذله مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي.