ماذا يريد العرب والمسلمون من أوباما؟
-1-يترقب العالمين العربي والإسلامي غداً الخميس، الخطاب التاريخي للرئيس أوباما في جامعة القاهرة، ويتوقع هذان العالمان أن يأتي الرئيس أوباوما بالمعجزة السياسية التي ستحلُّ القضية الفلسطينية، في ظل تشدد الإدارة الإسرائيلية الحالية، وفي ظل تصويت الكنيست في الأسبوع الماضي على أن يتولى الأردن الشؤون الفلسطينية، ويمنح فلسطينيي الضفة الغربية الجنسية الأردنية. ويشرف الأردن على إدارة هذه الضفة، كما كان عليه الحال قبل 1967 مما يعني صراحةً أن إسرائيل تعارض، ولا توافق على إقامة دولة فلسطينية، كما يقترح، وينادي، ويشدد أوباما، في تصريحاته، وفي لقائه الأخير مع نتنياهو ومحمود عباس، وقبلهما مع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني.
فإسرائيل بعقدة الخوف اليهودية المزمنة منذ آلاف السنين، تعتقد أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانبهم يعني دمار دولتهم على المدى البعيد، خصوصا ألا قيادة فلسطينية حقيقية وقوية، تستطيع أن تبعث الطمأنينة في صفوف اليهود، وأن انضمام الضفة الغربية إلى الأردن، ومنح الفلسطينيين الجنسية الأردنية، وإذابتهم في الكيان الأردني، أكثر ضماناً لدولة إسرائيل، من إقامة دولة فلسطينية إلى جانبهم، فسيظل الفلسطينيون بذلك، خصوصا الفئات الدينية الأصولية كـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» وغيرهما، يطالبون بمزيد من الأراضي، ومزيد من الحقوق، ويرعبون إسرائيل بين حين وآخر بهجمات انتحارية، وبمواسير نارية، لا تُسمن ولا تُغني من جوع.-2-ماذا يريد العرب والمسلمون من أوباما، هو ما سيعرضه أوباما غداً، في خطابه في جامعة القاهرة، ونأمل أن يكون قد تمكن من قراءة الخطاب المفتوح الذي وجهه له المفكر التونسي العفيف الأخضر قبل أسبوع من هنا من «الجريدة»، وركَّز فيه على نقاط إيجابية وعقلانية جديرة بالإشارة والمناقشة، لأنها على ما أظن صوت العقلانيين الحداثيين في العالم العربي، ومنها هذه النقاط:1- يرثي العفيف الأخضر قاهرة اليوم، التي لم يعد فيها صوت غير صوت الأصولية الدينية المتمثلة بالإخوان المسلمين، وكذلك الأصولية السياسية المتمثلة ببقايا الناصرية، وبقايا التيارات القومية الاشتراكية. لذا، فهو يريد من أوباما أن يخاطب العالمين العربي والإسلامي من قاهرة الحداثة، التي كانت موجودة في النصف الأول من القرن العشرين، وليس من قاهرة الأصولية، في النصف الثاني من القرن العشرين، وحتى الآن، بعد أن ارتدت ونكست حركة الحداثة المصرية، التي أضاءت العالم العربي كله.2- يؤكد العفيف، أن أوباما لا يملك من أدوات الحل للصراع الإسرائيلي-العربي غير الشجاعة السياسية، التي أبداها أوباما أثناء حملته الانتخابية، والتي كان ينادي فيها بإقامة دولتين: إسرائيلية وفلسطينية، متجاورتين، مسالمتين. وكرر هذه الدعوة في الأيام المئة الأولى من ولايته. وأهمية هذه الشجاعة السياسية، أنها تأتي في وقت تخلو فيه الساحة السياسية الإقليمية العربية-الإسلامية والعالمية من هذه الشجاعة السياسية، خصوصا في ما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، وحساسية هذا الصراع ودقته، في الأوساط الصهيونية-الأميركية.3- يطلب العفيف من أوباما، ألا يعدنا في خطابه بوعود سياسية برّاقة، تدغدغ مشاعرنا، ولا تصل إلى عقولنا. بل هو يطلب منه، أن يقول لنا الواقع والحقيقة، حتى لو كانت مُرَّة. فلم يعد في الوقت متسع لمزيد من الوعود المعسولة. والعفيف، يقترح على أوباما أن يقول في خطابه «لتكن أميركا منذ الآن البلد الذي يقود العالم إلى العدل والسلام، في إطار سياسة واقعية وعادلة، حتى لا تكون موازين القوة بين الأقوياء والضعفاء، هي وحدها صاحبة القول الفصل، كما كان الحال دائما حتى الآن. لأن الإنسان لم يخرج من «حالة الطبيعة»: حرب الجميع على الجميع، إلا جزئياً!» -3-ولكن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر كما يقولون. فحسابات البيدر تقول:1- أن العفيف، يريد من أوباما أن يحلم معه الحلم الوردي التالي، دون أن يأخذ بعين الاعتبار الواقع العربي والإسرائيلي على الأرض، والنزاع العربي-العربي، والنزاع الأخطر وهو الفلسطيني-الفلسطيني. ويقترح العفيف على أوباما، أن يقول لنا في خطابه صورة الحلم الوردي وهو: «الوعد في مطلع 2010، ربما في أعياد الميلاد، هنا في القاهرة الساحرة، بحضور ملوك ورؤساء حكومات دول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والهند والـ57 دولة إسلامية ودول الاتحاد الإفريقي... بتوقيع السلام العربي-الإسرائيلي تحت خيمة كبرى أمام الأهرام لنُشهد عليه 5 آلاف عام من تاريخ الشرق الأوسط، الذي لم يعرف السلام إلا لفترات قصيرة، تزامنت دائماً مع فترات ازدهاره الاقتصادي. 2- يقترح العفيف على أوباما، أن تكون الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل تتضمن القرارات المهمة التالية: التجميد الكامل للاستيطان، وإزالة المستوطنات الوحشية، وقبول حكومة إسرائيل لحل الدولتين. وللعلم فإن الكنيست بالأمس- كما ذكرنا أعلاه قد صوّت لمصلحة ضمِّ الضفة الغربية للأردن، وإعطاء سكان الضفة الغربية الجنسية الأردنية، كما كانت عليه الحال قبل حرب 1967. وأما مطلب التجميد الكامل للاستيطان، وإزالة المستوطنات الوحشية، فهو مطلب عسير على إسرائيل، والحزب اليميني الحاكم. وهو الحزب الذي وصل إلى كرسي الحكم في الانتخابات الأخيرة، بناءً على التعهد بالمضي في إنشاء المستعمرات، وزيادة الاستيطان ضماناً لمستقبل إسرائيل، وتقليصاً لأراضي الدولة الفلسطينية المبتغاة. فمن المعروف أن حزب الليكود الذي حكم في الفترة 1977-1981 برئاسة مناحيم بيغن أقام 35% من مجموع المستعمرات القائمة اليوم، وبلغت نسبة زيادة المستوطنين 241%، وفي مرحلة 1981- 1986 أقام حزب الليكود 31% من عدد المستعمرات اليوم. وفي مرحلة 1986- 1988 حيث حكم الحزبان (الليكود والعمل) تمت إقامة 20% من عدد المستعمرات الآن. واستمر الحزبان اللذان تناوبا على الحكم في بناء المستعمرات الجديدة. وأصبح من الصعب على أي رئيس وزراء إسرائيلي، أن يتعهد بإيقاف التوطين، ما لم يتم حل جذري للقضية الفلسطينية، ويكون إيقاف الاستيطان من ضمن هذا الحل المصيري.3- وأخيراً، يقترح العفيف هذه المشهيّات لوجبة السلام التي يتخيلها في الشرق الأوسط، وتشمل هذه المشهيّات: اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على كامل فلسطين 1967 مع تعديلات طفيفة هنا وهناك، وتبادل أراضٍ بمساحات متساوية. وأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح كاليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا حلم وردي آخر، يتنافى مع ما هو قائم على أرض الواقع، ويصعب تحقيقه لاختلاف المشكلة، والسكان، والظروف السياسية التي كانت في اليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية. * كاتب أردني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء