سلام عليك يا قدس!

نشر في 18-09-2009
آخر تحديث 18-09-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر سلام ممزوج بالشوق والحزن والغضب والإصرار نهديك يا قدس في يومك العالمي، وتحية إجلال وإكبار نرسلها لك مع آخر جمعة من شهر رمضان المبارك مضمونها العهد والوفاء بأنك حي ومتجدد في ضمائر المخلصين والمؤمنين، فلك حرارة في القلوب لا يطفئها سوى تحريرك من دنس الغاصبين والمحتلين طال الزمان أو قصر، وكيف لا تكونين كذلك وأنت الوعد الإلهي الصادق وبشارة القرآن الكريم وأمانة الأنبياء والمرسلين وحلم المستضعفين وشعار المجاهدين؟!

أما الشوق فلطول الانتظار، وألم فراق الصلاة في رحاب مسجدك ومحراب عروج نبينا الأكرم (صلى الله عليه وسلم) إلى السموات العلا، وأما الحزن والغضب فهما رسالة موجهة لمن باعوا وساوموا وتنازلوا وهرولوا إلى سراب التطبيع من القادة والساسة والمتشدقين بالثقافة المزعومة مقابل مصالح شخصية وآنية محدودة، ومن منطلق واهم وسقيم أثبت فشله وعجزه، فلم يجنوا سوى شوك العار والفضيحة والاستصغار، وأما الإصرار فهو شمعة الأمل في دهاليز ظلمة تزاحم المشاكل والابتلاءات، وخلط الأوراق، وتناثر الأولويات، وتعقيدات السياسة، وسحب القصف الظالمة والجبانة بالقنابل الفسفورية والعنقودية والإشعاعية التي لم تهز لأطفال الحجارة وأمهات الشهداء وشباب المقاومة جفناً، فضربوا بصبرهم وجلدهم ومواصلتهم في درب الكفاح أنشودة النصر والتحدي، وأبقوك يا قدس رمزاً للبقاء حراً أبياً بانتظار المخلص الرباني.

وبمناسبة يوم القدس، ومع استرجاع شريط الذاكرة خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمان، ألا يحق لنا أن نشيّد منصة باسم العدالة، لنسطر ونوثق ونحكم على تاريخ هذه القضية بأبعادها القانونية والسياسية والإنسانية، ونستعرض خلالها حجم الجرائم التي اقترفت بحق البشرية، وقيم الحضارة ومبادئ القانون الدولي، جرائم تحمل في طرفٍ منها القتلة وسفاكي الدماء البريئة والمجرمين المصرين على قلب حقائق التاريخ، وتشويه ملامح الأرض والثقافة، وتحمل في طرف آخر اللصوص خصوصا من العرب والمسلمين أنفسهم من داخل فلسطين وخارجها ممن استولوا على أموال المسلمين الوقفية على نصرة الأقصى ونجدة شعبه، فكونوا الإمبراطوريات المالية، وعاشوا حياة البذخ والفجور على أعتاب الكازينوهات والمراقص وصالات القمار والمقاولات المحرمة، ومنها بناء الجدار الفاصل وتحويل الأراضي المحتلة إلى سجن كبير يلف عموم الشعب الفلسطيني.

ومحكمة تسوق على الطرف الثالث إلى العدالة الشهود الزور على القضية ممن وجهوا فوهات بنادقهم وسموم أقلامهم وأبواق إعلامهم في وجه إخوانهم المناضلين والمقاومين رغم قلة العدد وخذلان الناصر، واتخذوهم أعداء وخصوما في حين اعتبروا رموز الصهيونية والساسة اليهود أصدقاء وحلفاء وشركاء التفاوض، يتسامرون معهم على موائد الخمر وهم يتبادلون الضحكات العالية والقبلات الحارة.

ومحكمة تحمل على الطرف المقابل محامي الدفاع عن ضحايا المجازر اليومية ممن قتلوا بأبشع صور الجريمة التي شهدتها البشرية بدم بارد، أو بالبارود الحارق، ومن دمرت بيوتهم على رؤوسهم، وصودرت ممتلكاتهم، وطردوا وشردوا في أرجاء الدنيا، وزحفت المستوطنات على أرضهم بلا حياء ولا رادع.

فأيما عقوبة ترقى إلى مستوى تلك الجرائم؟! وأي تعويض؟! وأي دية تستوفي حق تلك الدموع المنهمرة على مدى نصف قرن؟! وأي جزاء يليق بحجم تلك الآهات والزفرات النابعة من أكباد اليتامى والثكالى على مدار الساعة؟! وأي مقابل يسد ثمن أرواح ودماء الشهداء من الأطفال والشباب والنساء التي تزهق أمام مرأى ومسمع، وأحياناً كثيرة بمباركة وأسلحة دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وتحت راية الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان؟!

أما العهد والوعد فيتجسدان في حتمية بزوغ فجر ولادة مثل هذه المحكمة مهما طال الزمان، ليكون القصاص ضد الظالم واسترجاع حق المظلوم تحرير القدس، ففيه كل الشفاء وقمة العدالة، فهنيئاً لمن حافظ على ضميره ووجدانه وثبت في موقعه قولاً وعملاً مهما بلغت الضغوط، وتكالبت ملهيات الحياة، وتسارعت وتيرة التطورات السياسية وتقلباتها بانتظار اليوم الموعود، والخزي والعار لمن ركب موجة الضعف والهوان والتردد، فاستبدل أقدس المقدسات والتحق بجبهة بنغوريون ودايان وغولدا مائير، وشارون، وباراك، ونتنياهو، وأسيادهم الكبار، وحتى صبيانهم وعبيدهم الصغار!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top