لعل الخير فيما وقع من المجزرة الصهيونية الأخيرة بحق أسطول الحرية وقتل وترويع وأسر المئات من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة, فما قامت به إسرائيل من قرصنة بحرية وفي عمق المياه الدولية بحق متطوعين عزل من بلاد العالم المختلفة وإراقة دماء المدنيين انتقاماً منهم لتقديم الدواء والغذاء لأطفال غزة ومعاقيها تعتبر وفق أبسط المعايير والأعراف حربا على المجتمع الدولي المدني، وبحماية رسمية من مجلس الأمة بزعامة الولايات المتحدة.

Ad

وهذه الجريمة المنكرة كشفت من جديد هشاشة الأسطورة الإسرائيلية وقوتها العسكرية التي لم تجرب منذ عام  1973 في حروب نظامية, فجنود الكوماندوز المدججون بأحدث الأسلحة كانوا يهربون كالنعاج من بين أيدي مجموعة من الشباب، ولم تظهر "مراجلهم" إلا بإطلاق النار من مواقع عليا ومحصنة على متن السفينة التركية "المرمر الأزرق".

ومثل هذه الصورة تكررت مراراً على مدى العقدين الماضيين في لبنان وفي الأراضي الفلسطينة المحتلة على يد مقاتلين فرادى لا تقارن عدتهم العسكرية مع الترسانة الأميركية في إسرائيل, ولذلك لم يعد يخشى طفل ولا امرأة ولا عجوز، باسثناء أغلبية الحكام العرب، هذا العدو!

وهذا مؤشر بحد ذاته يعيد ثقة الشعوب بل حتى شرائح من المتطوعين في العالم العربي بالقدرة على إزعاج الكيان الصهيوني وقيادته ومواجهتهم ليس فقط سياسياً وإعلامياً بل حتى ميدانياً.

وفي بعد آخر كانت مشاركة الكويت ضمن قافلة الحرية رسالة ذات مغزى ومفعمة بالعز والفخر، وصورة مشرقة لتفاعل الشعب الكويتي الحي مع قضايا الإنسان، والدفاع عن حقوقه ونصرة المظلوم جنباً إلى جنب مع التعاطف العالمي غير المسبوق مع القضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد الداخلي ورغم الجوانب المأساوية التي أحاطت بقافلة الحرية، فإن المشاركة الكويتية الشعبية قد حركت أجواء حالة الاحتقان الداخلي ومسيرة الاستقطابات والاصطفافات الداخلية الممتدة عبر السنوات الأخيرة, فمجموعة الـ16 رجلاً وامرأة بطيفها التعددي وغطائها الوطني، ومن تحت علم دولة الكويت، برهنت أصالة معدن الكويتيين، وعكست كيف يكون النجاح إذا ما انطلق من القواسم المشتركة التي تجمع ولا تفرق, وتضحي ولا تقتات على حساب الآخرين, وكيف يمكن لهذا النجاح أن يسحب معه السلطات الدستورية ووسائل الإعلام والقيادة والتيارات والمجاميع الشعبية في تحرك موحد وليس في مسارات ممزقة ومتنافرة.

وبالتأكيد هناك قواسم وطنية كثيرة من شأنها أن تحقق مثل هذا النجاح وتشعر المواطنين جميعاً بأنهم نسيج واحد وجبهة موحدة ويحملون هدفاً واحداً هو الكويت.

ولعل ما عكر هذا الجو الوطني الرائع بعض الأصوات والأقلام النشاز، وللأسف من بين الكويتيين، ممن لم يقلوا عن الصيهانية أنفسهم في الاستهزاء والحقد على قافلة الحرية، وبالمواطنين الكويتيين الذين وصفهم صاحب السمو الأمير بالأبطال.

 ويبدو أن مثل هذه الشرذمة اختارت أن تكون منبوذة خلافاً لمشاعر أهل الكويت جميعاً صغيراً وكبيراً, وإذا كانت أقلام هذه الشرذمة ومواقفها تعكس حالة الألم الذي استشعرته لغباء وجبن وتخبط الصهانية فهذا مصداق لبعض الخير الذي حملته قافلة الحرية، وهنيئاً لها هذا النكد الدائم, ولكن لو أن البعض منها "مسطول" ولم يعلم ما جرى على الأسطول فما من عتب على السكرة حتى تزول!