ليت ما بيننا وبين العراق فقط تعويضات وديون، إذن لكان حلها سهلاً، وليت الجدل الكويتي - العراقي يستمر على هذا المنوال، فهو جدل عادي، طبيعي. إلا أن المشكلة أكثر عمقاً، فالكويت دولة صغيرة، غير قادرة على حماية نفسها ذاتياً وسط الحيتان الإقليمية، دون تحالفات، وحركة دبلوماسية دؤوبة. عمق المشكلة هو انعدام الثقة، والخوف من العدوان، الذي ظل ماثلاً في الأذهان والخيال الكويتي، على مدى عقود من الزمن، حتى أصبح حقيقة واقعة في الثاني من أغسطس 1990، عندما غزا العراق الكويت وقرر صدام حينئذ جعل الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشرة.

Ad

وبما أن الثابت الوحيد في السياسة هو التغير الدائم، وبما أن السياسة هي فن الممكن، فإن الفرصة المتاحة أمامنا الآن لتغيير واقع عدم الثقة، هي فرصة ذهبية علينا جميعاً أن نسلكها للخروج من المأزق الحقيقي، وهو الشعور الدائم بالتهديد. فالكويت بالنسبة للعراق تمثل المشكلة الأبسط مقارنة بدول جوار قوية ضاغطة على العراق بشكل دائم، لوجستياً وسياسياً. ولعله من السطحية القول بأن العائق أمام تقدم العراق هو الديون الكويتية التي لم تتم المطالبة بها حتى الآن ويتم تجاهل إشكاليات أساسية يواجهها العراق مع جيرانه الآخرين. ولعل التصريح الأخير لنائب وزير الداخلية العراقي أحمد الخفاجي الذي استثنى الكويت من جميع دول الجوار العراقي كنموذج يحتذى في حماية حدودها مع العراق لمنع تسلل المتمردين والأسلحة والمخدرات، يأتي في هذا السياق؛ فلماذا الكويت وحدها هي الحريصة حسب "الداخلية" العراقية على حفظ حدودها؟

الفرصة الذهبية تتلخص في أن الثلاثي الكويتي والعراقي والأميركي متفق على أن الأولوية هي لاستقرار العراق، وهي منظور استراتيجي وليس تكتيكياً، وفي العراق 135 ألف جندي أميركي كما أن في الكويت 25 ألف جندي، فترابط المصالح يتشابك ويتحقق على الأرض بمزيد من الاستقرار، وبدلاً من إضاعة الوقت في مماحكات سطحية على الثلاثي أن يعمل بشكل مشترك لتحقيق الهدف الاستراتيجي من استقرار العراق ونزع التوتر في المنطقة.

وبما أن إبقاء الملف العراقي في الأمم المتحدة لن يقدم أو يؤخر كثيراً في ظل الأوضاع القائمة، فالذين يراهنون بثقة غير مفهومة على المجتمع الدولي، سيكتشفون قريباً أنهم دفعوا بمصلحة البلاد إلى ما لا يحمد عقباه، فمن يضمن اتجاهات وتوجهات المجتمع الدولي؟ ومن هو صاحب الرأي الذي يظن أنه قابع تحت إمرتنا؟ لا توجد أية ضمانات في المجتمع الدولي فهو قائم على موازين القوى والمصالح المتبادلة. فليبقَ الملف العراقي هناك، ولكن هذا وحده لا يكفي إذ إن مصلحتنا تقتضي العمل المشترك، وإطلاق المبادرات الفاعلة لا جلوس القرفصاء، واحتساء أكواب الشاي، والتصريحات المجانية التي لا تكلف أصحابها شيئاً، بينما تعيدنا إلى الوراء.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء