من المؤسف أن يتحول شعار التنمية إلى حق يراد به باطل، وأن يساء استخدام هذا العنوان الجميل سياسيا وإعلاميا، ويزج به بمناسبة أو من دون مناسبة كبدعة جديدة لضرب المعارضة السياسية وتشويهها شعبيا، وهذا المسلك بدا واضحا خلال السنوات الثلاث الماضية، وعبر الكثير من التصريحات الحكومية وحلفاء الحكومة من النواب والكتّاب على وجه التحديد.

Ad

ويخشى من فرط إقحام مفهوم التنمية وتعطيلها أو عرقلتها أن تلقى التنمية وتطلعاتها مصير الديمقراطية التي وصلت الجرأة في البعض إلى المطالبة بوقفها والتنازل عنها بعدما فقدوا مفاتيح اللعبة السياسية فيها، وانقلبت معادلات القوة في ظلها إلى غير مصلحتهم، وصار الطريق الحكومي هو الأضمن لتحقيق مصالحهم واستمرار تنفسهم السياسي للبقاء على الساحة.

فكثرة ترديد عبارات تعطيل التنمية وأخواتها ومرادفاتها أصبحت أسطوانة مشروخة وغير قابلة للتسويق الناجح مقابل القناعات الراسخة باستمرار صور الفساد في المؤسسات الحكومية من جهة وبقاء نفس العقلية الفاقدة للأهلية التنموية على مستوى القرار من جهة أخرى، وبالتالي فإن كفة جبهة المعارضة المتهمة بالتأزيم ودغدغة العواطف الشعبية تظل هي الأرجح في استمالة ثقة الرأي العام.

وما من تفسير مقنع لترويج شعار تعطيل التنمية أخيراً إلا الإفلاس السياسي في مجاراة المعارضة ضمن المنهجية الحكومية وحلفائها في إيجاد تبريرات مثيرة ومخيفة لتغطية فشلها في الفكر والأداء، ولهذا يمكن تشبيه فزاعة التنمية اليوم بمصطلحات «التخروعة» السياسية التي دأب الحكوميون التقليديون والجدد على ترويجها عند الأزمات السياسية، خصوصا عندما تقترب من المحاسبة والمساءلة البرلمانية، تماماً كما كانت تستخدم عبارات مثل عدم الاستقرار الإقليمي والدخول في نفق مظلم، والمحافظة على الدستور خلال العقدين السابقين.

وإذا كان أدعياء التنمية صادقين في اتهاماتهم فليقدموا الدليل المنطقي والتحليل العلمي الموضوعي لعرقلة التنمية بعد تعريف هذا المفهوم وتشخيص أولوياته، فإذا كانت التنمية عنواناً لتحقيق أهداف وبرامج طموحة وملحة فما على هؤلاء إلا رصد أرشيف مجلس الأمة ومن يعتبرونهم من نواب تعطيل التنمية تحديداً ليروا كم الاقتراحات بقوانين الراقية، والتي من شأنها إحداث نقلة نوعية مميزة على مستوى الخدمات والمشاريع المستقبلية المهمة، بشرط ألا يتصيّدوا فقط جملة من المقترحات الداعية إلى زيادة الرواتب، وتحسين أوضاع المتقاعدين أو الأم غير العاملة واعتبارها الهم الوحيد لهؤلاء النواب.

أما الأسئلة البرلمانية التي تحولت بدورها إلى كابوس مزعج للحكوميين إياهم فنسألهم بالله أن يقارنوا عدد هذه الأسئلة طوال المجالس السابقة، خصوصا في عهد الكتّاب من نواب المعارضة السابقين، والذين تحولوا اليوم إلى فرسان حكوميين يستهجنون طلب المعلومات والبيانات حتى يتبيّنوا أن إحصاءات الأسئلة البرلمانية التي لا تجيب الحكومة عن الكثير منها أو ترد بشكل مبتور، لم تتغير كطفرة، وإن كانت زيادة الأسئلة تعد مؤشرا صحياً على الشفافية والرقابة على الأداء الحكومي وهي من صميم عمل النائب.

وأخيراً إن ذرة من الإنصاف تنسف زيف ادعاءات أنصار التنمية المزعومة عندما نفكر بمنطق وهدوء، فما علاقة تعطيل التنمية بتوجيه سؤال برلماني؟ ولماذا تهدم أركان التنمية في حالة تقديم استجواب لوزير؟ ألا يفترض أن تكون برامج التنمية أهدافها خاضعة لفكر مؤسسي وعمل ميداني، وأن تكون المشاريع الإنمائية حيّز التنفيذ من قبل المقاولين، وبحسب المواعيد الزمنية المحددة لها سلفاً، أو أن المقاول أصبح هو المسؤول عن تحضير الردود على استجوابات الوزراء وحضور مرافعاتها؟! فعلاً هذه تبريرات مضحكة، بل الأدهى أن يكون التباكي على التنمية بسبب محاسبة بعض الوزراء ممن لا يوجد أي مشروع تنموي في برامجهم للسنوات الأربع القادمة!!

في أيام زمان كان الآباء والأمهات يخيفون أطفالهم بأوهام ليضمنوا راحتهم خصوصا في فترة الظهيرة حتى ينعموا بقيلولة هادئة دون إزعاج هؤلاء الأطفال أو خروجهم بعيداً عن البيت، ومن أشهر هذه الفزّاعات الوهمية كانت «حمارة القايلة»، ومن شدة الفزع كان الأولاد إما أن يناموا وإما أن يبقوا كالملائكة حتى يصحو الكبار من النوم، ويبدو أن التنمية أصبحت «حمارة القايلة» لمن يريد أن ينام في العسل السياسي دون ضجيج أو محاسبة مزعجة، ولكن المشكلة إذا تحول نوم هؤلاء إلى نومة أهل الكهف!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء