آمال القرطاس والقلم

نشر في 07-08-2009
آخر تحديث 07-08-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي أستاذنا الكبير وشاعرنا المثير أبو الطيب المتنبي، الله يرحمه، الذي لاتزال أبيات شعره ثابتة في الأرض وفرعها في السماء، رغم مرور الأزمان، هو كلمنجي من الطراز الفاخر، أي أنه "بُق" على رأي المصريين، و"بيغ ماوث" على رأي الإنكليز، واسمعوه حين يقول: "الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني، والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ"! صحيح أن القراطيس والأقلام تعرفه، لكنه أبداً لا علاقة له بالسيف ولا بالرمح... وليس معنى هذا أنه جبان، إطلاقا، لكنه ليس من الفرسان المُصَلتَمين كما يود أن يقنعنا، مثل أبي فراس الحمداني وعنترة بن شداد وعمرو بن كلثوم ودريد بن الصمة وأحمد الشحومي... هو عظيم في الشعر، فقط في الشعر، بل هو الأعظم عربياً، أما غير ذلك فالعذر والسموحة.

وأصلاً نحن لا نريد من العظيم أبي الطيب إلا القرطاس والقلم. والأمم التي اعتمدت على القرطاس والقلم قبل السيف والرمح هي الأمم التي عليها القيمة، والتي لها سعر في السوق، بينما الأمم التي اعتمدت على السيف والرمح قبل القرطاس والقلم، لا تستحق لقب "أمم"، بل "رمم" أباً عن جد كما هو واضح في الصورة.

شوف ما الذي استفادته قبائل الجزيرة من السيف والرمح في حروبها البينية، شوف كم أسرة تشردت وكم طفل تيتّم وكم امرأة ترمّلت عهدذاك، شوف كم رجل عليه القيمة قُتل وخسرته الحياة، وكله من وراء السيف والرمح الله يلعن أباهما... يأتي ذلك في الوقت الذي انشغل فيه نيوتن بمعرفة سر سقوط التفاحة من الشجرة، ولماذا لم "تسقط" إلى الأعلى، وفكر واكتشف قانون الجاذبية! وفي الوقت الذي كان فيه بيتهوفن يؤلف سيمفونياته الخالدة، وفي الوقت الذي حك فيه أديسون جبهته فاخترع الكهرباء، وحك جراهام خده وعبث بشعر لحيته فاخترع الهاتف، وقتذاك، حك جدّي جبهته فقتل جدّك، وحك جدّك جبهته فنحرَ جدّي، ولم يكن هناك من يحتكم إلى القرطاس والقلم ليقف بين القبائل المتصارعة ويقول لها ولفرسانها: "عيب عليكم، وحرام قتل النفس لدواعي النهب والسلب".

وتمر السنون بسرعتها القصوى، وتتبدل الأجيال كما يتبدل الوزراء في الكويت، جيل بعد جيل، ويأتي الآن جيلنا ليفخر بجرائم أجداده، في حين تنكبّ الأجيال الأوروبية الحالية على البحث والتنافس على الاختراعات، إذ لا وقت عندهم للتفاخر بالماضي، رغم بياضه.

وانظروا إلى إفريقيا والاقتتال الذي لا ينتهي بين قبائلها حتى الساعة، ليش؟ لأن قصائدهم وحكاياتهم كلها عن الفخر بما فعله أجدادهم من تناحر وجزّ رقاب، والبطل الأعظم عندهم هو الذي جزّ رقاباً أكثر من الآخر، لذا يحرص المراهق على افتعال القتال كي يحظى "بالمجد" كما حظي به جده الأكبر... وفي تقاليد بعض الأفارقة السود، أن بنت السفاح، الذي هو عظيم في نظرهم، لا تتزوج إلا ابن سفاح، وفي ليلة الدخلة تدخل على زوجها بعدما تحلق شعرها على الزيرو، وتتناول قدحاً من دم الأبقار فتسفّه أمام زوجها، فتزغرط النساء، وتبدأ اللحظات الوردية! يعني هي بنت سفاح، وحالقة شعرها على الزيرو، وتشرب الدم أمامك في ليلة الدخلة، أمحق عرس.

***

الزميل الدكتور ساجد العبدلي، من أهل القرطاس والقلم، في حين أن بعض الكتّاب والساسة الذين يستخدمون الدين للصعود هم من أصحاب السيف والرمح والخزعبلات تعرفني... أبو متعب، بعدما قرأ مقالتي السابقة، اتصل بي وأثنى على قلمي فأثنيت على قلمه، فأثنى فأثنيت، وراح كلٌّ منا يثني على الآخر حتى شارفنا على البكاء المرير، وكدنا نتباوس في التلفون، وعتب عليّ فأوضحت له وجهة نظري، فأقر بخطئه غير المتعمد، لكنه أقسم أن لا علاقة له "بالوكيل" ولا بـ"محمود حيدر"، وأنا صدقته، فمثله نصدّق ونحترم.

وأبو متعب فارس في خصومته، والفرسان لا يفجرون ولا يطعنون في الأماكن المحرمة، ولا يولولون كما النساء عندما تطعنهم في صدورهم... شكراً يا زميل.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top