مسرحية الجواسيس!
لا يمكن فهم عودة عالم الفيزياء الإيراني شهرام أميري إلى بلاده، بعد مسرحية الاختطاف إلى الولايات المتحدة، إلا في إطار انتعاش ظاهرة تبادل الجواسيس، على غرار ما كان عليه الوضع في فترة صراع المعسكرات والحرب الباردة، إذ كانت عمليات التجسس المتبادل بين الاتحاد السوفياتي (الراحل) والولايات المتحدة إحدى جبهات المواجهة بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي.بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وعملياً انتهاء الحرب الباردة في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي، القرن العشرين، ساد اعتقاد بأن "حرب الجواسيس" لم تعد ضرورية، بل انتهت، لكن ما إن استعادت روسيا لياقتها كدولة عظمى تنافس الولايات المتحدة على المسرح الدولي حتى ثبت أن هذا الاعتقاد كان خاطئاً، وثبت أن المسألة على هذا الصعيد ليست مسألة رأسماليين وشيوعيين أو اشتراكيين، بل مسألة مصالح متضادة حتى بين الدول التي من المفترض أنها تقف على أرضية واحدة.
وعلى سبيل المثال فإنه لا بد من التذكير بأن هناك شيئاً اسمه التجسس العلمي، وشيئاً آخر اسمه التجسس الاقتصادي، وهذا النمط من التجسس بقيت اليابان تمارسه منذ بداية نهضتها الاقتصادية والتقنية العظيمة والهائلة ضد حليفها الأقرب، وهو الولايات المتحدة، وضد دول أوروبا الغربية المتقدمة والطليعية في هذا الميدان، والمؤكد أن أميركا نفسها قد مارسته ضد حلفائها الأوروبيين، وأن الدول الأوروبية قد مارسته بعضها ضد بعض.في كل الأحوال وبالعودة إلى مسرحية "اختطاف" شهرام أميري، ثم عودته إلى بلاده بعد إقامته في الولايات المتحدة نحو عام، فإنه لا يمكن اعتبار حادثة الاختطاف هذه إلا على أنها "مُفبْركة"، والدليل هو أن الأميركيين بادروا، بينما كان هذا الأستاذ الفيزيائي الإيراني في طريقه إلى طهران، إلى مطالبة السلطات الإيرانية بالإفراج عن عدد من المواطنين الأميركيين كانت إيران قد القت القبض عليهم بعد أن كانوا قد دخلوا أراضيها خلسة... وبالطبع لأسباب ليست سياحية.إنه لا يمكن تصديق حكاية أن الولايات المتحدة قد اختطفت شهرام أميري، بينما كان يؤدي فريضة الحج مع زوجته وأطفاله، وأنها اكتشفت لاحقاً أنها اختطفت الشخص الخطأ، وأن هذا الرجل هو مجرد أستاذ جامعة مسكين متخصص في تحسين البذور الزراعية، ولا علاقة له باليورانيوم والمسائل النووية والقنابل الذرية لا من قريب ولا من بعيد، وهذا يؤكد أن مسرحية الاختطاف "مفبركة" وغير صحيحة، وأن هناك شيئاً آخر ستكشفه الأيام القريبة المقبلة، فالموسم موسم تبادل الجواسيس، وهذا ما تم قبل أيام بين روسيا وأميركا.