ادونيس وخصوصية المكان
لم يقدم أدونيس في حواره الذي أجراه أخيراً على قناة «إل بي سي»، أي فكر جديد، أو رأي مخالف لما كان يطرحه منذ ما يربو على أربعين عاماً، فآراؤه المتعلقة بالتراث وتأويل النص الديني طرحها من قبل في كتابه «الثابت والمتحول»، وكذلك أطروحاته المتعلقة بالشعر، والنقد الأدبي، ناقشها في كتب ولقاءات سابقة عديدة.
لعل ميزة البرنامج تكمن في الشيء الوحيد المتمثل في رغبة أدونيس بزيارة المملكة العربية العربية السعودية، وحواره مع الأدباء السعوديين.امتدح كثيراً الحركة الإبداعية في السعودية، وقال: هم يكتبون بعيداً عن الفكر المؤدلج، كما أن لهم مساحة من الحرية لم تُتَح للأدباء من جيل أدونيس، الذين كانوا محاطين بالفكر المؤدلج.أدونيس حين يعبر عن رغبته في زيارة المملكة ينطلق من فكرة حب الاستكشاف، فالمكان يُحدث في نفس الأديب حين يراه أو يطلع عليه لأول مرة دهشة تفوق أي أثر، خصوصاً ونحن نتحدث هنا عن مكان ذي طبيعة مقدسة، اختزل الرسالة السماوية، وتعطر بالتاريخ، وسارت فيه أقدام الصحابة، والفاتحين الأوائل.يعود بنا هذا المكان/ الأثر/ العلامة مئات السنين إلى الوراء، فالصخور مازالت تحمل مسمياتها، وكذلك الأبواب، المساجد، والقبور. كل شيء في محله، شاهد على حقبة ماضية، حقبة يأمل أدونيس اكتشافها، والوقوف عليها، ربما يخرج بنص جديد، أو أثر جديد، أو كتاب مغاير. لا يتوقف أدونيس عن الاستكشاف، والسؤال، ومعرفة المزيد، يقول في نص أخير نشره في «الحياة» اللندنية على إثر دعوة وجهت إليه لزيارة مدينة تنورين اللبنانية: «في الطريق إلى تنورين غرقت في التأمل وعيناي تتسابقان، لالتقاط صور الأماكن التي نمر بها أو تتراءى من بعيد، طريق سلالم يصعد عليها النظر نحو فتنة الفضاءات ويهبط نحو أسرار الأرض، هكذا كنت أرى الجمال يمسح بشفتيه الغبار الذي تكدسه الأيام على جسد المادة، وأرى كيف يمكن أن تغسل يد المكان وجه التاريخ».ليست المرة الأولى التي يعبر فيها أدونيس عن دهشته إزاء المكان، ففي كتابه «وراق يبيع كتب النجوم» يبدو المكان الثيمة الأولى الأكثر بروزاً، فنحن نقرأ عن مدينة حلب وقلعتها الشهيرة، كذلك نقرأ عن مدينة دمشق لكن بلغة تبدو أكثر حميمية، وتداعيات وجدانية، تطلق للخيال عنانه.يبدي أدونيس اهتماماً كبيراً بالمكان من ناحية إرثه التاريخي، ومعتقدات الناس الذين قطنوا هذه المنطقة أو تلك، يفتح ذلك الباب واسعاً لدراسة الأسطورة، ومعتقدات الشعوب والقبائل.في حواره المذكور لم يبدّل آراءه بشأن الذين يختلف معهم فكرياً، كما هي الحال مع الناقد السعودي دكتور عبدالله الغذامي، حين وصفه بأنه يقول كلاماً تعميمياً على طريقة «ولا تقربوا الصلاة». كذلك هاجم الفقهاء أو المتشبهين بهم، من ذلك وصفه للشيخ عوض القرني مؤلف كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، بأنه جاهل لا يُجيد قراءة قصيدة.سيستمر الجدل لبعض الوقت بشأن هذا الحوار، كما هو عهدنا بأدونيس، ما أن يحل مكاناً حتى يحدث ضجة ثم ينصرف، خصوصاً أن القناة تهدف إلى استثمار هذا اللقاء استثماراً إعلامياً عن طريق استضافة بعض الشخصيات السعودية والحوار معهم بشأن آراء أدونيس.