لأنه مرتبك ولأنه يشعر بالاختناق لاهتزاز المعادلة الإقليمية والدولية التي كانت تشكل حجر الزاوية بالنسبة لسياسة إسرائيل الخارجية، فإن بنيامين نتنياهو لم يجد ما يفعله لمواجهة هذه التحولات سوى العودة للَّعْب بالأوراق القديمة والحديث مرة أخرى عن إجراء مفاوضات مباشرة مع سورية «لكن من دون شروط مسبقة» مع تفضيل، إذا كان لابد من وساطة، أن تكون هذه الوساطة فرنسية لا تركية.

Ad

لا جديد على الإطلاق، فلعبة تنافس المسارات كانت إسرائيل قد لعبتها بعد مؤتمر مدريد (1991) مباشرة وهي بقيت تلوِّح بإعطاء الأولوية للمسار السوري كلما أبدى الفلسطينيون تشدداً وأصروا على ما يعتبرونه «ثوابت» لا يستطيعون التنازل عنها، حتى وإنْ ذهبت عملية السلام إلى الجحيم، والآن عندما يلجأ بنيامين نتنياهو إلى إلقاء هذه الورقة المستهلكة على الطاولة فإنه يؤكد كمْ أنه يشعر بالإحباط ونفاد الصبر وتدني وضوح الرؤية في ضوء كل هذا التعاطف الذي يظهره العالم تجاه القضية الفلسطينية.

ثم عندما يلجأ أيضاً إلى إغاظة تركيا، التي وجهت إليه لكمة أدمت أنف إسرائيل، بأن يقترح أن تحِلَّ فرنسا محلها كوسيط لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع سورية، فإنه يدل على خبرة متدنية ومتردية في معرفة مزاج هذه المنطقة التي يبدو أن دولته لاتزال غريبة عنها رغم أن عمرها تجاوز الستين عاماً، وكأن سورية يمكن أن تقبل بكل بساطة هذا الاستبدال بعد أن أصبحت علاقاتها مع الأتراك ومع حكومة عبدالله غول ورجب طيب أردوغان أهم ألف مرة من علاقتها مع الفرنسيين ومع نيقولا ساركوزي وحكومته.

غير ممكن أن تقبل سورية امتطاء حصان تنافس المسارات الذي جربته سابقاً، وخرجت بعبر كثيرة، وبخاصة أن الحكومة الإسرائيلية هي هذه الحكومة التي عنوانها تحالف بنيامين نتنياهو مع أفيغدور ليبرمان وبخاصة أيضاً أن التطرف الإسرائيلي وضع عملية السلام في هذا المأزق الذي تعيشه الآن، ثم إنه غير ممكن أن تفكر دمشق مجرد تفكير وقد أصبحت علاقتها مع أنقرة على هذا النحو أن تستبدل العمة بالخالة، وأن تتخلى عن الوساطة التركية المتوقفة لحساب وساطة فرنسية مجهولة وغير مضمونة.

الآن هناك تحوُّل حقيقي على صعيد العالم كله تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وهذا يؤكده ما دار في الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً في بروكسل بغض النظر عن أن النتائج جاءت دون المستوى المفترض والمتوقع، ويؤكده أيضاً الاستقبال الفاتر الذي استُقبل به شمعون بيريز في جولته الأخيرة التي شملت عدداً من دول أميركا اللاتينية، وهذا لا يمكن أن تؤثر عليه الألاعيب الصبيانية التي لجأ إليها بنيامين نتنياهو للهروب من هذا الواقع المستجد الذي بات يضغط على عنقه وعلى عنق دولته.

لقد نجحت إسرائيل في ظل ظروف سابقة، تختلف عن هذه الظروف المستجدة، أن تضلل العالم وأن تسوق عليه مناوراتها وألاعيبها، أما الآن وقد اكتشف هذا العالم حقائق الأمور، وأدرك قضايا كثيرة كانت غائبة عنه بالنسبة للصراع في الشرق الأوسط فإن على بنيامين نتنياهو أن يدرك أنه من غير الممكن الاستمرار في لعب الأوراق القديمة هذه، وأنه لم يعد أمام إسرائيل أي خيارٍ آخر غير خيار التسليم بالأمر الواقع والاعتراف بأنها دولة احتلال، وأنه لا يمكن الاحتفاظ بهذا الاحتلال بالقوة، وأن استحقاق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بات خياراً قد حان أوانه ولابد من دفعه.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة