حدث في صباح الجمعة
المصعد في مبنى العقارات المتحدة بسوق الصالحية كان يتحدث الإنكليزية بلكنة "فلبينية"، حاولت صباح الجمعة الماضية أن أفهم لغة "الأسانسير" في الصعود إلى المواقف أو النزول إلى السوق فلم أوفق، كانت جماهير الخدم أسرع إدراكاً مني في فهم اللكنة، فلم أتردد في الاستعانة بهم لمعرفة أي دور كنت فيه، وما الخطأ إن حدث هذا عرضاً يوم الجمعة، فأنا والعائلة الكريمة (كريمة في الكسل والتواكل) نعتمد على الأبطال الأربعة من الخدم في كل صغيرة وكبيرة، من تحضير القهوة حتى ملء كروش أهل المنزل وضيوفهم. من يقول إن هؤلاء عمالة هامشية وغير منتجة كاذب... فهؤلاء يشكلون 70 في المئة من إجمالي قوة العمل حسب الإحصائيات الرسمية، أي هناك خادمة لكل 1.7 فرد في الكويت، وكيف تكون هذه العمالة هامشية حين تكنس المنازل وتنظف الشوارع، وتطبخ وتربي أجيالنا القادمة... الصحيح هو أننا نحن الهامشيون ونحن غير المنتجين... وليست هذه جنايتنا بل هي جناية رشة النفط علينا...
لم أشاهد حتى "دشداشة" واحدة في سوق المتحدة، كان الخليط من الألوان الداكنة من القادمين من شبه القارة الهندية يتآلفون بصمت مع بياض بشرة جنوب آسيا... بنطلونات جينز ضيقة التصقت بخصور نحيلة لفلبينيات تخبرنا عن كذبة أخرى لبرامج الرجيم التي يروجها خبراء التغذية لشعوب بني نفط المتخمة... فهذه العمالة غير الهامشية لا تعاني أمراض السمنة... ولا تعرف شيئاً اسمه "لو كالوري دايت" أو "هاي بروتين دايت"، هم لا يعرفون غير "اخدم واعمل دايت" وهذا ما لا نعرفه تماماً... كما لا أتصور أن هؤلاء العمال يعانون حالة الملل التي نتجرعها يومياً في دولة الضوابط واللهو البريء... فالسأم هو نتاج وقت الفراغ واللاعمل، وغلق شباك الحريات الفردية للبرجوازية النفطية، أما هؤلاء الخدم فليس لديهم أي من امتيازات ساعات الفراغ أو مساحات الراحة... فهم مشغولون بالخدمة ولا تنتابهم غير هواجس تجديد الإقامة والسفر والمبلغ الذي يجب توفيره لتجار الإقامات في بعض الأحيان. هن وهم لا يشربون من كؤوس الملل، هم يتجرعون كأس المعاناة معظم الوقت... وإن زادت الجرعة على حدودها... فلا بأس من القفز من شباك الأدوار العليا في العمارة... أو الشنق على شجرة جدباء كجدب أرواحنا في وطن البهجة. تركت سوق المتحدة الفلبيني... وسرت نحو شارع الخليج... هناك على شواطئ بحرنا الرائق الذي تتغذى مياهه من شط العرب الناشف وشط محطة مشرف لمخلفات الفساد... كانت المشاهد مختلفة قليلاً... فكان هناك لزوم تكامل الشخصية الخليجية من أبناء وبنات الهند منتشرين على امتداد شواطئ اللهو البريء... ومعهم إخواننا من عائلات الأمة العربية... الرجال جلسوا على العشب الطري ونساؤهم بقربهم يقمن بإشعال الفحم... لشواء الكباب... تخصص منه جمرة صغيرة للأرجيلة... وتتصاعد الأدخنة السوداء من "المناقل" عالياً إلى السماء... ويتصاعد معها خيالي البائس عن الدخان الأسود من بركان آيسلندا... فقد منع الطيران في معظم العواصم الأوروبية... ماذا سيفعل هؤلاء الأوروبيون... بعد أن حرموا السفر... مساكين...! "جمعتهم" كانت كـ "جمعتي" قضوها باللهو البريء في مطاراتهم... وأنا قضيتها بالفرجة البريئة... في سوق المتحدة وعلى شواطئ السأم. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة