رسالة أوباما: هل نقدر على استيعابها؟!
تابع العالم زيارة أوباما للمنطقة بدءاً من السعودية التي قال عنها: جئت إلى مهد الإسلام طلباً للمشورة قبل أن أخاطب العالم الإسلامي وانتهاءً بمصر حيث اختار جامعة القاهرة منبراً لخطابه للعالم الإسلامي شعوباً وحكومات بل لكل المسلمين في العالم بمن فيهم مسلمو أميركا البالغ عددهم 7 ملايين والذي قال إن وجودهم في أميركا يجعلها إحدى أكبر الدول المسلمة في العالم، هذا الخطاب كان وعداً قطعه على نفسه إبان حملته الانتخابية بالحديث إلى المسلمين من عاصمة إسلامية مركزية، وقد تشوقت عواصم عديدة لهذا الحدث غير المسبوق لكنه اختار مصر كونها قلب العالم الإسلامي.لقد أدهش أوباما المشاهدين بحيويته وبراعته ولباقته والأهم ببساطته المدهشة سواءً في زيارته لجامع السلطان حسن أو تجواله بالأهرامات أو صعوده سلم الطائرة الرئاسية ركضاً، وهذه من الأمور التي تحبب الناس فيه وتكسبه المزيد من الشعبية التي هو حريص عليها بالدرجة الأولى، الأمر الآخر الذي وفق فيه أوباما وهو رئيس أقوى دولة مؤثرة في العالم حضوره إلى قلب العالم العربي لمخاطبة المسلمين، لا كما جرت عادة الرؤساء من توجيه رسائلهم عبر منصة الأمم المتحدة، وهذا إخراج سياسي جديد يدل على براعة، وينسجم مع القول المأثور، (في بيته يؤتى الحكم).
الآن: ما الرسالة التي أراد الرئيس الأميركي أن يوصلها إلى المسملين من خلال خطابه وزيارته؟ يجمع المحللون السياسيون أن الخطاب قد صيغ بعناية شديدة وأن مفرداته تم اختيارها ببراعه كبيرة، وأن لغة الخطاب وموضوعاته وقضاياه قد استغرقت جهداً مضنياً من فريق إعداده حتى تحقق الأهداف المنشودة، لا كما جرت عادة بعض زعماء وخطباء العرب، حيث يرتجلون خطباً فيجلبون الكوارث على أوطانهم!تضمن الخطاب مقدمة و7 محاور وخاتمة، في المقدمة حرص الرئيس الأميركي على تأكيد اعتزازه بالإسلام ديناً قدم للبشرية مبادئ وقيماً عليا كالعدالة والتسامح والكرامة والارتقاء الروحي، وأن الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل الأزهر نور العلم عبر قرون عدة، وأشاد بالإسلام كونه جزءاً لا يتجزأ من قصة تأسيس أميركا، وامتدح المسلمين الأميركيين كونهم حيويين يحظون بدخل ومستوى للتعليم يعتبران أعلى مما يحظى به معدل الأميركيين، وانطلق من ذلك ليؤكد ضرورة التعبير بصراحة عما في قلوبنا علناً لا من خلف الأبواب مستشهداً بالآية الكريمة (اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً).اعترف أوباما بالتوترات الكبيرة بين أميركا والمسلمين التي تمتد جذورها إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن، وأشار إلى استغلال المتطرفين هذه التوترات عند أقلية صغيره من المسلمين لتقع أحداث 11 سبتمبر، وتجعل البعض في أميركا يعتبر الإسلام ديناً معادياً، كما أفرزت هذه التوترات صوراً نمطية مشوهة لدى كل طرف تجاه الآخر.قال الرئيس الأميركي إنه جاء بحثاً عن بداية جديدة انطلاقاً من المسؤوليات المشتركة عن الأجيال القادمة، واستناداً إلى أن الذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا فهناك القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة والإيجابيات التي تفوق السلبيات في مكونات هذه العلاقة، وعلى ذلك لا ينبغي أن نظل سجناء الماضي وعلينا مواجهة هذه التوترات ومعالجتها وتجاوزها وتحقيق التقدم عبر الشراكة، أما القضايا السبع الرئيسة بين أميركا والعالم الإسلامي فهي:1- التطرف العنيف: تجنب أوباما كلمة الإرهاب مخالفاً سلفه لكنه كان حازماً وواضحاً في تأكيده أن أميركا ليست ولن تكون أبداً في حرب مع الإسلام، ولن تتوانى عن التصدي لمتطرفي العنف الذين يشكلون تهديداً لأمنها وركز حديثه على أفغانستان والعراق، أما في أفغانستان فقد وضح أن أميركا دخلت الحرب (اضطراراً) بسبب 11/ 9 التي أودت بحياة 3000 مدني، مشيراً إلى البعض الذين لايزالون يشككون في مسؤولية «القاعدة»، وقال إن أميركا لا تسعى إلى إقامة قواعد هناك لأن الخسائر في الجنود تسبب لأميركا أذىً بالغاً، إضافة إلى التكاليف الباهظة، مؤكداً أن القوة العسكرية لن تحقق الحل وحدها، لذلك هناك خطة استثمارية بعدة مليارات لبناء مدارس ومستشفيات وطرق ومؤسسات تجارية للحيلولة دون استخدام المتطرفين الأحوال السيئة للشباب بهدف تجنيدهم، أما في العراق فقد ذهبت أميركا (اختياراً) مما أثار خلافات شديدة بين الأميركيين لكن الشعب العراقي هو الطرف الكاسب في النهاية، وقال: نحن نتحمل مسؤولية مزدوجة تجاه العراق: مستقبل أفضل للعراق وترك العراق للعراقيين، وأكد أنه لا يسعى إلى إقامة قاعدة هناك، وقد أصدر أوامره بسحب جميع قواته بحلول 2012، ليت شعري ماذا يقول اليوم هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا على امتداد سنوات سقوط النظام العراقي السابق بأن أميركا تريد الهيمنة على نفط العراق وتريد تقسيمه بهدف إضعافه خدمة لإسرائيل، وتريد التوسع الامبراطوري؟! لو خرجت أميركا اليوم قبل استكمال القوات العراقية لقدراتها لتقسم العراق فوراً ولو خرجت من أفغانستان لعادت إلى القرون الوسطى في ظل طالبان.2 - السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب: أكد أوباما متانة العلاقات الثقافية والسياسية مع إسرائيل وأشار إلى المحرقة التي تم قتل 6 ملايين يهودي فيها وتحدث عن حق إسرائيل في دولة آمنة ثم تكلم عن معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال، وأكد حقهم في الحياة الكريمة وفي دولتهم الخاصة، وأن ذلك يحقق مصلحة للإسرائيليين والفلسطينيين وأميركا والعالم، ومن هنا على الجميع تحمل المسؤولية، فيجب على الفلسطينيين التخلي عن العنف اقتداءً بتجربة نضال السود الملسمين في أميركا، وعلى «حماس» وقف العنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة وبإسرائيل، ولا ينبغي على الدول العربية استغلال الصراع الفلسطيني لإلهاء شعوبها عن مشاكلها الأخرى، وأما القدس فستظل وطناً دائماً لأتباع الديانات الثلاثة ومكاناً للسلام كما أراده الله.3- الأسلحة النووية: أميركا مع حق الجميع بما فيهم إيران في الطاقة النووية السلمية بشرط جوهري هو الامتثال للمعاهدة النووية، وأميركا ضد امتلاك أي دولة للسلاح، وفي موضوع إيران النووي أكد وصوله إلى نقطة الحسم لا من أجل المصلحة الأميركية ولكن أساساً بمنع سباق التسلح الذي قد يدفع المنطقة إلى المخاطر.4- الديمقراطية: لا تفرض أميركا نظاماً للحكم على أي دولة انطلاقا بأن الشعوب أدرى بما هو أفضل لها، لكن أميركا ملتزمة وداعمة لحقوق الإنسان، وتحترم حريات التعبير للجميع حتى للمخالفين لأميركا، مؤكداً هذه النقطة لأن البعض ينادي بالديمقراطية وهو خارج السلطة، فإذا وصل إليها مارس القمع، أتصور أنه إشارة إلى ممارسة جماعات الإسلام السياسي في السلطة. 5- الحرية الدينية: أشاد أوباما بالتسامح الديني في إندونيسيا التي نشأ فيها وأشار إلى توجه مزعج في أوساط بعض المسلمين ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقاً لموقفه الرافض لعقيدة الآخر، لكن التعددية الدينية ثروة يجب الحفاظ عليها سواءً في لبنان أو في مصر أو بين السنة والشيعة، الحرية الدينية أساسية لهذا يجب تمكين المسلمين في أميركا من تأدية فريضة الزكاة وعلى الدول الغربية عدم وضع العقبات أمام المرأة المسلمة في حرية ارتدائها لزيها، ومن هذا المنطق يقدر الرئيس الأميركي لقاءات حوار الأديان ويتمنى أن تتحول إلى خدمات وخطوات لبناء الجسور بين الشعوب.6- حقوق المرأة: المساواة بين الرجل والمرأة ليست قضية للإسلام وحده، ففي دول إسلامية كثيرة نشاهد أن المرأة تنتخب فيها وتتولى القيادة، وأميركا مستمرة في الكفاح لتحقيق المساواة، وستعمل من خلال الشراكة لدعم تعليم المرأة وتدريبها وتوفير الفرص أمامها.7- التنمية الاقتصادية وتوسيع الفرص: وهو محور يمثل بعداً مستقبلياً مهماً في العلاقة، قال أوباما: لا خوف من الحداثة ولا من ثورة الاتصالات وقد أصبح العالم متقارباً يؤثر ويتأثر بعضه ببعض، ولا يوجد تناقض بين التطور والتقاليد وعندنا أمثلة عديدة: اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا ودبي، في التعليم ستتوسع أميركا في برامج التبادل وستزيد من المنح الدراسية وستشجع أكبر عدد من الأميركيين للدراسة في المجتمعات الإسلامية، وتوفر فرصاً للتدريب للطلاب المسلمين الواعدين، وفي التنمية الاقتصادية سوف تنشأ هيئة جديدة من رجال الأعمال لتكوين شراكة مع نظرائهم في العالم الإسلامي، وفي ما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا سوف يؤسس صندوق مالي لدعمهما.في الخاتمة: حرص أوباما على تأكيد أمرين:1- استثارة الهمم لتحقيق الأحلام في عالم لا يهدد فيه المتطرفون شعوبنا، عالم تعود فيه القواة الأميركية إلى ديارها، عالم ينعم فيه الفلسطينييون والإسرائيليون بالأمان في دولة لكل منهم، عالم تستخدم فيه الطاقة النووية سلمياً وتعمل فيه الحكومات على خدمة المواطنين، وتحظى فيه حقوق جميع البشر بالاحترام، هذا العالم لن يتحقق إلا بالعمل المشترك، نعم هناك مشككون وهناك يائسون يرون أن الاختلاف قدر وأن الاصطدام محتوم لكن علينا تجاوز الشكوك والمخاوف واليأس ولذلك يقول الرئيس الأميركي أريد أن أخاطب الشباب من جميع الأديان والبلدان فأنتم الذين تملكون القدرة على تحقيق مثل هذا العالم.2- كرر أوباما خلاصة الحكم والتجارب كالقول: إن خوض الحروب أسهل من إنهائها، وتوجيه اللوم للآخرين أسهل من النظر إلى أعماقنا، والتركيز على الاختلاف أسهل من العثور على جوانب الاتفاق، وحرص على ختم خطابه بنصوص من القرآن والتلمود والكتاب المقدس، وبعد. لقد جاء أوباما بنفسه إلينا بقلب مفتوح ويد ممدودة طلباً لتصحيح الصورة النمطية وتعزيز الثقة وبناء الشراكة، وقدم مراجعة نقدية شاملة للقضايا المتوترة بين أميركا والعالم الإسلامي وهي قضايا تشكل معاناة يومية للملايين من المسلمين، وقد تعهد أوباما بتجاوز سلبيات الماضي أملاً في بداية جديدة ،وقد وصلت رسالته إلى قلب كل مسلم لصدقها وبساطتها. فهل نحن قادرون على استيعابها؟ ذلك هو التحدي!* كاتب قطري كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء