حين أعادت قناة «العدالة» منذ بضعة أسابيع بعض حلقات برنامجي الحواري القديم «خط العبدلي» الذي عرض في الأساس في النصف الأول من عام 2008، جاءني الكثير من الاتصالات التي تحدثت عن البرنامج ظناً منها أنه برنامج حديث طازج، وحوا بعضها الكثير من الإشادات التي لا أستبعد أن منها ما كان من قبيل المجاملة والذوق، فنحن شعب مجامل مؤدب عند مواجهة بعضنا بعضا، حتى إن حوت صدورنا وقلوبنا عكس ذلك، ولا أدري إن كان هذا شيئا إيجابيا أم لا.
لكن، وعلى أي حال، فالمفيد أني بعد تلك الاتصالات جلست أتابع بعض تلك الحلقات المعادة بالرغم من أني لا أفعل ذلك عادة، ولا تستهويني متابعة تسجيلات البرامج واللقاءات التي أظهر فيها، لقسوتي الشديدة على نفسي بالنقد، إلى حد التحبيط والتثبيط الذي يؤثر أحيانا في تركيزي وأدائي بأي ظهور تلفزيوني لاحق، وأستعيض عن ذلك بالطلب من الأصدقاء والقريبين مني بالمتابعة، وتزويدي بالملاحظات وما يرون أنه يستحق النقد.بعد مشاهدة تلك الحلقات، يروق لي اليوم أن أقول إن الفكرة التي كنت أسعى إلى تقديمها للمشاهد من خلال «خط العبدلي» في نسخته التي عرضتها قناة «العدالة»، كانت تدور حول استضافة الشخصيات المختلفة، في جو مريح بعيد عن المشاكسة والرغبة في إحراجهم على الملأ بخنقهم بالأسئلة المباغتة والمقاطعات والقفزات من موضوع إلى آخر، وكأن الأمر «مناقرة ديوك»، وحين أقول هذا فلست أحكم بسوء هذا الأسلوب، بقدر القول إني ما كنت أسعى إليه، إنما إلى تقديم صيغة مختلفة عنه، وهو الذي ساد تقريبا في كل البرامج الحوارية المشابهة عندنا.أغلب برامجنا الحوارية يظهر فيها المحاور وكأنه في مبارزة وسباق مع ضيفه، وأظن الدافع وراء ذلك أن أغلب مقدمي البرامج مأخوذون بهاجس أن تختطف منهم الأضواء المركزة على الضيف بطبيعة الحال، فتنحسر عنهم ليبقوا مجرد مقدمي برامج، قيمتهم لا تتجاوز قيمة الديكور المبهر وحركات الكاميرا الذكية والإخراج الجميل للبرنامج.وأعترف أن هذا الهاجس شاغبني شخصيا، خصوصا أني لا أمتهن تقديم البرامج، بل أنا في الأساس ناشط مجتمعي يسعى إلى أن يقدم نفسه بفكره، لكنني مع ذلك لم أتجه إلى الأسلوب الذي سلكه أغلب الزملاء ممن قدموا ويقدمون البرامج الحوارية، فنجح فيه من نجح، بشكل مبهر أحيانا، وفشل فيه من فشل، بشكل ذريع أحيانا، وإنما اتجهت إلى وسيلة رأيتها مختلفة وهي تقديم جلسة من الحوار المتكافئ بين طرفين، أعتمد فيها على تحضير وإعداد جيد ومعرفة عميقة بتاريخ الضيف في الجوانب التي سأحاوره فيها، وكذلك على الإتيان بأسئلة ذكية متميزة مترابطة، تجيء هي والإجابات في سياق متسلسل قد يتفرع لهدف مبرر، تبقي جميعها للضيف شعوره بالارتياح وتعطيه مساحته ليعبر عن نفسه وآرائه، ويمكن للمشاهد أن يتابعها بتمعن، وأن يخرج في نهاية الحلقة بالمتعة والفائدة معا.بطبيعة الحال، كان «خط العبدلي» تجربة لم يتسن لها النضوج كثيرا، حيث لم يتسن لي إلا تقديم بضع حلقات، وكان لي شخصيا عليها الكثير من الملاحظات، منها مثلا أني كنت مجاملا للضيوف أحيانا خوفا من خروجي عن فكرتي لهيئة البرنامج المرسومة في عقلي، وأظن أن هذه الجزئية بالذات كان من الممكن ضبطها وتحسينها، وقد أسدل الستار على البرنامج بعد عمر قصير، وذلك إثر اختلاف، وليس خلافا، مع الإخوة في إدارة قناة «العدالة» على هيئة البرنامج وكيفية عمله، حينما جرى حل البرلمان وبدأت التحضيرات للانتخابات آنذاك، فكانت تجربة مفيدة وغنية جدا، كسبت من خلالها الكثير، كالتعرف على العديد من الأشخاص، ومعرفة معادنهم، وطرائق تفكيرهم.على كل، فالود والاحترام سيظلان موجودين على المستوى الشخصي من ناحيتي باتجاه الجميع، حتى إن بدر من البعض هناك تجاهي من التصرفات ما لا أعرف تفسيره، ولا أدرك ما دوافعه، لأن الدنيا مليئة بكل شيء، والناس أشكال وألوان، وكل منهم لم يخلق إلا ليكون على شاكلة محددة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
خط العبدلي في قناة العدالة
25-03-2010