مسلسل الإهانات والذل الذي يتعرَّض له مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي في كل موسم اصطياف أمام أبواب سفارات دول الاتحاد الأوروبي، أصبح مشهداً متكرراً منذ بداية الألفية تقريباً، يتم فيه التلذّذ من قبل الأوروبيين بإهدار كرامة عرب الخليج، وهم يصطفون طوابير أمام "كاونترات" السفارات الإسبانية أو الألمانية أو الهولندية... إلخ، وهم يحملون ملفات مليئة بأوراق تفصِّل تاريخ حياتهم وكل تفاصيل شأنهم الخاص والاجتماعي والعملي، بينما يستمتع موظف السفارة بتقليب أوراق ذلك الملف علَّه يجد كلمة أو عنواناً خطأ ليرفض المعاملة ويحرم المواطن الخليجي من تأشيرة دخول الجنة الأوروبية! حتى لو كان يملك عقاراً أو عقارات يسدد عنها ضرائب لذلك البلد الأوروبي.

Ad

إن ما تفعله الدول الأوروبية في ما يخص أسلوب منح التأشيرات السياحية من تشدد وشروط مجحفة واشتراط حجوزات معينة للسكن قبل وصول الزائر مقصده ليختار الأنسب منها له بعد أن يحدد مستقره في البلد الذي يزوره، هو تعسف يصل إلى حد الاستخفاف واحتقار المواطن الخليجي وإهدار أمواله، وهو الذي ينفق المليارات في القارة الأوروبية سنوياً، بينما في الوقت نفسه هناك الآلاف من الأوروبيين الذين يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي ويحصلون على تأشيرات الدخول وتصاريح العمل بكل بساطة وفي المطارات لدى وصولهم إلى الدول الخليجية، كما أنهم يقومون بتحويل رواتبهم وأرباحهم من دون أن تُفرض عليهم أي ضرائب أو رسوم! كل ذلك يأتي ضمن إجراءات مُبالَغ فيها من السلطات الخليجية تكرِّس احترام المواطن الأوروبي وتبجيله، بينما لا يعلم كثيرون سبباً لهذه المبالغة واستمرارها رغم استقلالها ونهاية حقبة الحماية والاستعمار في المنطقة منذ عقود طويلة؟!

وفي المقابل، فإن الأوروبيين هم أكثر مَن يُكنّون للدول الخليجية حساً عدائياً في قراراتهم الاقتصادية والأمنية تجاه كل ما هو خليجي، فهم أكبر مَن يفرض الضرائب على النفط ومشتقاته في العالم أجمع حتى أنظفها من الناحية البيئية مثل الديزل الأخضر الجديد!

والأوروبيون في عمل دؤوب وقتال مستميت منذ أكثر من ثلاثة عقود لإنهاء عصر النفط، رغم أنهم مازالوا يستخدمون الفحم الحجري الأكثر ضرراً وفتكاً بالبيئة! وهم مَن حارب منتجات الألمنيوم البحرينية، وأكثر المتشددين في مفاوضات الرسوم الجمركية لتبادل السلع مع دول الخليج المستمرة فصولها معهم منذ سنوات طويلة من دون طائل، فهم يرسلون بضائعهم إلى أسواقنا المفتوحة لهم برسوم رمزية، ويمزقون مَن يستخدم صادراتنا في قارتهم بالضرائب سواء كان نفطاً أم بتروكيماويات أم أي منتجات خليجية أخرى!

وعلى المستوى الشعبي، فإنهم يمارسون أسلوباً متعسفا تجاه الشعوب الخليجية في منح تأشيرات الدخول السياحية، لا يجاريه حتى أسلوب الولايات المتحدة الأميركية المتضررة مباشرةً من أحداث 11 سبتمبر، والتي مازالت رغم ذلك تمنح بعض الخليجيين تأشيرة دخول إلى أراضيها لمدة عشر سنوات.

فالواضح أن الأوروبيين استغلوا هذا الحدث -هجمات نيويورك 2001- ليمارسوا تمييزهم الذي يصل إلى حد الاضطهاد للخليجيين، وإذا ما قارنّا السوابق التاريخية سنكتشف الفارق، فعندما كانت منظمة الجيش الأحمر الياباني الإرهابية تضرب بقوة وعنف شديدين في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وعلى الأراضي الأوروبية، لم يتعرض السياح اليابانيون لما يتعرض له السائح الخليجي حالياً في أوروبا، بل زادت وتيرة منح التأشيرات الأوروبية للسائحين اليابانيين بشكل لافت في حينه!

وكذلك الحال مع منظمة "بادر- ماينهوف" الألمانية التي كانت موجودة في نفس الحقبة، لم تجعل المواطن الألماني تحت رحمة الاضطهاد والشك المطلق تجاهه، وهو ما يؤكد أن ما يفعله الأوروبيون حيالنا حقيقةً هو استغلال لحدث ما بهدف تبرير ممارسة ما يمارسونه من إجراءات متعسفة ضد مئات الآلاف من الخليجيين!

لكن المؤسف أن دول مجلس التعاون الخليجي، وبعد سنوات مما يرونه من ممارسات ضد مواطنيهم من قبل السفارات الأوروبية وقرارات المفوضية الأوروبية تجاه السياح الخليجيين المتعسفة، لم يتحركوا للحفاظ على كرامة شعوبهم بإقرار إجراءات المعاملة بالمثل وفرض رسوم عالية على تأشيرات دخول الأوروبيين إلى دولهم، وكذلك بضائعهم الغالية وغير التنافسية، خصوصاً أن جودة البضائع الآسيوية أصبحت تضاهيها بل وتتفوق عليها، في ما عدا استثناءات بسيطة يمكن إيجاد بدائل لها... فمتى سيتحرك المسؤولون في مجلس التعاون الخليجي والمنظمات الأهلية والشعبية، لاتخاذ قرارات ترد اعتبار وكرامة الآلاف من مواطنيهم التي أهدرت ومازالت على أبواب السفارات الأوروبية؟!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء