أحدثت نتائج البوكر العربية حالة لغط كبيرة بما يشبه التخبط في بعض الأحيان. فقد استشرت رسائل الهجوم المتبادل، وكان للجنة التحكيم في الجائزة النصيب الأكبر من هذا الهجوم. اللافت أن البوكر في نسختها العربية لم تتعرض للهجوم إلا بعد ظهور اللائحة الطويلة، ومن ثم اللائحة القصيرة. وغير خفي عن الأنظار أسباب الانتقاد في هذه الحالة، ولو أننا وجدنا ناقداً أو مبدعاً يتحدث عن آلية التحكيم في الجائزة، ويقترح طرقاً أخرى أكثر «رصانة» أو علمية قبل ظهور أي من النتائج، لكان ذلك محل تقدير وإجلال.
الغريب أن د. جابر عصفور أصبح طرفاً مهماً في هذه القضية، على الرغم من أنه ليس أكثر من مجرد مراقب للوضع، أو هكذا يجب ان يكون، مع إيماننا بأحقيته أن يقول رأيه، من دون تدخل في أعمال اللجنة.أصدر عصفور تصريحين متتاليين يستحقان التوقف، الأول في صحيفة الأهرام بتاريخ 14 ديسمبر 2009، أشار خلاله إلى إعجابه برواية «اسمه الغرام» لعلوية صبح، كما أشاد بتميزها في إحدى الجلسات الخاصة. ويضيف: «أما أن تحصل الرواية على الجائزة أو لا تحصل، فهذا أمر خاص باللجنة، ولها الحرية الكاملة في تقدير ما تراه، وسوف نتقبل النتيجة بكل احترام وتقدير». ولكن عصفور يعود وفي اليوم التالي الى التصريح الأول يقول لـ»اليوم السابع» كلاماً مختلفاً، بل ومناقضاً له: «علوية صبح روائية متميزة، وروايتها حازت إعجاب النقاد بامتياز (...) أغلب الظن أن لجنة التحكيم قد تأثرت بالغوغائية التي حدثت حول علوية، وإذا كان هذا هو ما حدث فأنا لن أحترم هذه اللجنة». بل ومضى إلى إصدار أحكام وأوصاف ما كانت تنبغي بناقد مثل عصفور، كقوله: أن لجنة التحكيم «ضعيفة الشخصية» أو «ما فيهش كبير». عدا عن كلمات وأحكام تعميمية أطلقها على بعض الروايات المتنافسة على الجائزة من قبيل: رواية «متميزة»، أو «تستحق التحية» أو»أطارت النوم من عيني». مثل هذه الأحكام ليس لها مكان في خانة النقد الأدبي. ولو أن عصفور قدم رأيه حول كل الروايات السابقة عبر قراءة نقدية تحليلية، لكان ذلك أجدى، علماً بأن قراءته في هذه الحالة ليست سوى واحدة من عشرات القراءات، التي لا يمكن أن نصف أياً منها بالخاطئة أو الصحيحة. لم يعد في النقد الأدبي مجال لمصادرة الرأي الآخر بأحكام قيمة ذات طابع تعميمي.أما د. شيرين أبو النجا فأمرها عجب، إذ إنها أعلنت استقالتها من لجنة التحكيم لداعي أنها «لم تعتمد معايير نقدية دقيقة». لست أدري ماذا تقصد الدكتورة بالمعايير النقدية، وهل تطمح إلى إطالة النقاش حول الأعمال المقدمة لإقناع لجنة التحكيم حول رواية ما. ولكن وفق أي منهج نقدي يتم النقاش في الجلسة؟ هل تحتكم اللجنة إلى الدراسات البنيوية، أو تلجأ إلى السيميائيات المعاصرة، وإشارية اللغة وانفتاحها في كل عمل مقدم، أم أنها «اللجنة» تعود إلى النقد الجديد أو تأخذ بالمنهج التكاملي. ثم إننا هل نأخذ بالاعتبار لغة العمل الروائي، أم مضمونه، أم حركة شخصياته، وننظر مدى مقدرة الروائي في سبر أعماق هذه الشخصيات؟ إلام يمكن أن تنتهي النقاشات، أو المعايير النقدية التي تتحدث عنها أبو النجا. ثم إنني لم أفهم كيف تحضر أبو النجا جميع النقاشات الخالية من أية «معايير نقدية» وتوافق على القائمة المختارة، ثم تنسحب من لجنة التحكيم، يوم إعلان النتيجة. كنا نتمنى منها أن تنسحب من لجنة التحكيم منذ اليوم الأول الذي أدركت فيه خلو هذه اللجنة من المعايير النقدية.مؤسف أن كل ما يحدث من لغط حول الجائزة وتلك العبارات «الرصينة» أو «الأحكام العمومية» لم تأت سوى لأن نتائج اللجنة لم تعجبنا. وفي هذا سابقة خطيرة لمحاولة توجيه الجوائز وتوزيعها بحسب هوى ذلك الناقد، أو تلك المجموعة من الكتاب والمبدعين.
توابل
الاحكام النقدية في البوكر
27-12-2009