عاب بعض الزملاء منذ أيام على النائبة الدكتورة معصومة المبارك أنها قالت في واحد من لقاءاتها الصحفية إنها تفتخر بكونها «شيعية»، ولاموها لأنها قد اختزلت نفسها، في نظرهم، في «طائفتها»، بينما كان الأجدر بها، على حد قولهم، أن تفتخر بمواطنتها وبلدها.

Ad

ولاأزال حتى الساعة غير قادر على أن أدرك لماذا يظن البعض أن الافتخار بالمذهب أو الطائفة أو القبيلة أو العشيرة، يتنافى حتما مع الوطنية، بل يصر بعضهم على أنه من الواجب ألّا يقول الواحد منا إلا أنه «كويتي وبس»؟!

حسنا يا سادتي وسيداتي... لنأخذها خطوة خطوة.

إذا كانت الدكتورة معصومة تأمل أن تلقى الله عز وجل وهي «شيعية»، وترجو أن يكون هذا من أثقل ما في ميزان حسناتها، فيكون سبيلاً يقودها إلى الفوز بالجنة، كما نأمل نحن السُنّة أن يكون مذهبنا الذي اخترناه لندين الله به هو سبيلنا إلى الجنة، فكيف لا يحق لها أو لنا أن نفتخر جميعاً بما آمنا به؟!

أليس «المذهب» في اعتقاد كل شخص منّا في نهاية المطاف، هو الطريقة الصحيحة، أو لنقل الطريقة الأمثل لممارسة تعاليم الدين الإلهي؟ وأنه لو لم يكن الأمر كذلك، لما تمسك كل واحد منا بتعاليم مذهبه ومسلك طائفته إلى هذا الحد؟ ولما صارت الممارسات المذهبية الخاصة بطائفته داخلة في أدق دقائق شعائره الدينية وممارساته الحياتية، من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وحج وزواج وطلاق بل حياة وموت؟

لذا، وبعد هذا كله، فلماذا يرى البعض أن افتخارنا بمسلكنا المذهبي/ الديني، سيكون متعارضا مع الوطنية وحب الوطن؟! وعلى افتراض أن هناك تعارضاً، وهو غير موجود أصلاً في قناعتي، فأيهما الأولى والمقدم؟ الافتخار بأمر الدنيا أم أمر الآخرة؟!

هذا من جانب، أما الجانب الآخر، وهو عند افتخار الإنسان بكونه من أسرة أو عشيرة أو قبيلة ما، وكل الأسر والعشائر والقبائل يذكرها الناس بالخير والطيب عموماً، فالسؤال هنا مجدداً، ما المشكلة أيضاً في ذلك؟ ولماذا الظن كذلك بأن الأمر سيكون متعارضاً مع حب هذا الإنسان لوطنه إلى حد التجرؤ على التشكيك في ولائه لهذا الوطن؟ ولماذا يكون الافتراض تلقائياً، بأن الإنسان إن هو افتخر بمذهبه أو طائفته، أو عائلته أو عشيرته أو قبيلته، سيكون قد انتقص بذلك من قيمة الآخرين أو ربما ألغاهم؟!

حسناً... حسناً... يريد بعض الناس من الواحد منّا أن يقول «أنا كويتي وبس»، فهل حين يقولها أحدنا يعني ذلك أنه يعلن أنه ككويتي أفضل من غيره؟!

هذه بتلك... فإن قلتم، وأظنكم ستقولونها، إن عبارة «أنا كويتي وبس» لا تعني شيئاً من هذا أبداً، إنما تقال تعبيراً عن الحب والاعتزاز والتقدير، فسأرد بأن عبارات «أنا شيعي» أو «أنا سُنّي» أو «بدوي» أو غيرها كذلك، لا تعني أبداً أنه يقصد بأنه أفضل من غيره، إنما هي عبارة تقال تعبيراً عن الحب والاعتزاز والتقدير.

يتضح لي أن البعض وفي غمرة رغبتهم بالهرب من أن يجري اتهامهم بالفئوية والعنصرية، أو سعياً للتباهي بأنهم وطنيون خالصون «وبس»، وقعوا فيما هو أشد، ألا وهو التبسيط المخل والتسطيح الساذج لهذه الفكرة الجوهرية، أعني فكرة الوطنية، حتى خرج علينا، كما توقعت سابقاً، من يدعو إلى إلغاء أسماء القبائل والعشائر من بطاقات الهوية، ظناً منه بأن هذا سيذيب الناس في بعضهم بعضا، وسيصهرهم في بوتقة الوطنية!

الوطنية مفهوم بعيد جدا عن مجرد التغني بعبارة «أنا كويتي وبس»، فهذه العبارة بحد ذاتها لا تعني شيئاً على الإطلاق، فلا قيمة للكلمات ما لم يصدقها العمل، والعمل هنا هو أداء الإنسان لمستحقات المواطنة الحقيقية من التزام وانضباط وولاء وعطاء، وعندما يؤدي أي إنسان هذا كله، فلن يسيئه بعدها أن يقول إنه شيعي أو سُنّي، أو بدوي أو حضري، لأنه قبل ذلك مواطن صالح وشريك نزيه لإخوانه المواطنين الآخرين من كل الفئات، وأما إن هو لم يفعل فلن يفيده حتى لو صبغ وجهه بالأحمر والأخضر والأبيض والأسود، وأقسم بأغلظ الأيمان بأنه «كويتي وبس»!