تتحدث تقارير اقتصادية غربية اليوم عن أنّ معظم اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ستقلب صفحة الأزمة وتدخل مرحلة التعافي والانتعاش، في حين تستثني الكويتَ من انتعاش سريع وفاعل بسبب قلة الإنفاق الحكومي على المشاريع الكبرى والرأسمالية. وهي مثلبة كبرى تحد من انطلاقة الاقتصاد الكويتي ومجاراته لنظرائه في الخليج وتحقيق آمال الشعب في التقدم والتنمية وتحقيق ما هو جدير بدولة حباها الله بالثروات.
وبصراحة أقول إن السبب المباشر لما نحن فيه وما نتوقع استمراره هو الحالة المزمنة لتعطل القرار وتحوّل القرار الاقتصادي إلى أداة رئيسية في الصراع السياسي العبثي القائم في البلد، الذي تتحمل مسؤوليته، وإن ليس بالتساوي، المؤسستان التنفيذية والتشريعية على السواء.لا أبرئ مجلس الأمة من مسؤوليته عن التعامل السلبي مع الاقتصاد، فمعظم مواقفه لا تشجع القطاع الخاص ولا اقتصاد السوق، وهي سمة من سمات المجالس التشريعية على العموم. وليس سراً أن لمجلس الأمة عموماً مواقف سلبية تجاه التنمية. غير أن كل ذلك لا يغطي المسؤولية الأساسية الواقعة على عاتق الحكومات التي كان بإمكانها استخدام صلاحياتها والعمل لتحقيق مشاريع لن يتمكن أي مجلس نيابي من وضع العصي في دواليبها لأنها ذات نفع عام.هي مسؤولية الحكومات المتعاقبة أن آخر مستشفى بُني في الكويت كان قبل ثلاثين عاماً، وأن جامعة الكويت التي أنشئت في عام 1967 لاتزال من دون حرم جامعي، وأن المطار الذي صُنِّف بين أهم المطارات العربية في السبعينيات هو اليوم الثامن بين مطارات الخليج رغم أن هناك ست دول فقط. أما الميناء الذي كان الأكبر والأشهر فصار ترتيبه سادساً وفي انحدار. والناس تعلم أيضاً وترى أن آخر طريق سريع أُنشئ في بداية الثمانينيات، وأننا رغم ارتفاع الكثافة السكانية وعدد السيارات لانزال نبحث عن حلول غير مجدية للأزمات المرورية. ولكي لا نعدد الكثير الكثير فلنتذكر أن غرفة التجارة اقترحت في الستينيات منطقة حرة، فلم تُقرّ إلا في نهاية التسعينيات. وإذا أردنا الترفيه عن الصائمين في رمضان فلنذكّرهم بحديث الحكومات عن خطة خمسية جديدة، فهي منذ نهاية القرن الماضي "تهددنا" بهذه الخطوة الجبارة التي ستنقل البلاد من مكان إلى مكان، علماً أن آخر خطة خمسية أقرت منتصف الثمانينيات. أما "تحويل الكويت إلى مركز مالي" فهو وَعْد أطال الله عمرَ الجميع ليروه بعد أجيال. لن نتكلم اليوم عن مدينة الحرير وتطوير فيلكا اللذين لايزالان حبراً على ورق وخرائط في أدراج علاها الغبار، ولا عن المناقصات وترسيتها التي تأخذ سنوات، ولا عن الكهرباء وازدياد الأحمال والانقطاعات، فكلها خبز يومي في الصحافة والإعلام، ومثلها كمية كبرى من الأمثلة تضيق عنها سلسلة من الافتتاحيات. لكن لا يسعنا إلا التنبيه لموضوع خطير، يتمثل في البطالة المعلنة وتلك المقنَّعة والمشكلات الناجمة عن مخرجات التعليم، وهي جميعها تنذر بكارثة اجتماعية لا يمكن مواجهتها الا باستثمارات كبرى ومشاريع جبارة ومتعددة، تبعد عنا شبح الكارثة، وتعالج معطياتها في اتجاه إيجابي. مسؤولية مجلس الأمة واضحة في التوجه العام، لكن الإنصاف يقتضي القول إنه غير مسؤول عن أي شيء غير موجود ولم يعرض عليه، وإن كثيراً من القرارات التنموية يمكن أن يأخذ مجراه ولا يستطيع المجلس وقفه أو الحؤول دون انطلاقه في أي شكل من الأشكال. مناسبة القول، إننا نمر في فترة حرجة تستلزم رؤى وأفعالاً وتجاوزاً للوتيرة البطيئة في القرارات وترفعاً عن المصالح الخاصة والسجالات، وذلك من أجل مواكبة فترة التعافي الاقتصادي المتسمة بالدقة والخطورة، لأنها تحتاج إلى تنشيط مدروس وجريء وإلى إنفاق حكومي يأخذ في الاعتبار كل المعطيات الاقتصادية والمالية الداخلية والعالمية على السواء.إن البلد في حاجة إلى الإنجاز، ولا يجوز أن تبقى القوانين الاقتصادية متناثرة ولا تجد جهة قادرة على تنسيقها وتفعيلها وتحويلها إلى منظومة تدفع عجلة الأعمال. ونأمل من الحكومة أن تفرج بسرعة عن ملفات مخزنة في أدراجها منذ سنوات، وتحتاج إلى مبادرة لإطلاقها في قطاعات حيوية تغير وجه البلد، وتخرجه من حال مزرية سببها التردد والتسويف والتأجيل.كلنا مسؤولون عن هذه الأوضاع. لكن المسؤولية الكبرى تقع على مَنْ في يده القرار.
مقالات
كلمة•: مواكبة التعافي بوقف تعطيل القرار
27-08-2009