في فيلم «الصبي» لعبقري السينما الصامتة شارلي شابلن، يعثر رجل عاطل ووحيد على طفل رضيع مرميّ بلفّته قرب برميل قمامة، فيضطر إلى حمله معه إلى بيته البائس.. ويقوم بتربيته.

Ad

وبعد عدة أعوام، عندما يصبح الطفل صبياً في نحو الخامسة، يصطحبه معه ليساعده في عمله الطارئ كمركب لزجاج النوافذ، ويجري تقسيم العمل بينهما على الشكل التالي:

يتوجه الرجل إلى ناحية أحد الأزقة، بينما يتوجه الصبي إلى الناحية الأخرى، بعد أن يكون قد ملأ جيوبه ويديه بما يعثر عليه في طريقه من قطع الحجارة الصغيرة الصلبة.

يمسك الصبي حجراً ويطّوح به، ثم يقذقه بمهارة ودقة نحو إحدى النوافذ، فيهشمها تماماً، ويبادر إلى الفرار بخفة أرنب.

عندئذ يلوح المربي متمهلاً من الناحية الأخرى معلقاً عدَّة العمل على ظهره... فيما تكون ربة البيت قد خرجت على وقع صوت تهشم الزجاج، لتنظر بغضب وذهول إلى ما حل بنافذتها.. وحين تتلفت أملاً في رؤية الفاعل، لا ترى أحداً، غير أنها لابد أن تشكر حظها عندما تلمح، بعد حين، مركّب الزجاج وهو مقبل، في الوقت المناسب، من طرف الزقاق البعيد.

وإمعانا في إتقان الصنعة، يتجاوزها وكأنه لا يرى شيئاً، حتى تبادر هي نفسها إلى الاستنجاد به كي يصلح لها النافذة فيؤدي عمله، ويقبض أجرته، ثم يتابع السير مسرعاً، فأمامه بلا ريب عمل كثير، ما دام ربيبه قد سبقه إلى تنظيف الأزقة من أحجارها، وتنظيف النوافذ من زجاجها.

ولا تنتهي هذه اللعبة المريحة إلا عندما ترتطم حجارة الصبي بزجاج بيت شرطي!

حينئذ يحاول مركّب الزجاج بكل ما أوتي من حيلة أن يتخلص من رفقة الصبي اللائذ به، والمصر على السير بجواره غير مدرك للخطر الذي يتهدد مربيه من جراء ذلك.

وينتهي المشهد بينما نظارة السينما ينقلبون على ظهور كراسيهم وهم يقهقهون بعيون دامعة.

أما في الواقع الذي نحياه، فإن ظهور النظارة تنقلب على الأسفلت من شدة الغيظ والقهر، إذ يجدون أنفسهم عاجزين عن الخروج من صالة بعرض وطول الكرة الأرضية، تضج شاشتها بقهقهة تصم الآذان... والمشهد يتكرر ويتكرر. الزجاج القديم يتكسر والزجاج الجديد يأخذ محله، لينكسر بدوره، ومركِّب الزجاج يقبض ثمن إصلاح ما كسره ربيبه، في دورة لا نهاية لها.

المشهد لا ينتهي في سينما الواقع لسبب بسيط، هو أن مركِّب الزجاج، لسوء المصادفات، هو نفسه الشرطي!

* شاعر عراقي